أولت الشريعة الإسلامية اهتمامها بالصغير في مجالات عديدة لا نجد ولن نجد لها نظير في الشرائع الأخرى، وافترضت أن ذلك من حقوقه اللازمة على الوالدين، وعلى ولي الأمر والمؤمنين من بعدهما، فخاطبت من يريد الزواج أن يختار لنطفته، وحذَّرت من الاقتران بمن يجئ من الاقتران بها العار على الأولاد، ثم بيّنت أن من حقوق الأولاد اختيار الاسم اللائق، والتعليم المطلوب، والرعاية اللازمة وأمثال ذلك، ومن ذلك أموال الصغير فإنها لما كانت محترمة كأموال الكبار فإنها وضعت الحدود المطلوبة لحفظها وتنميتها، وصرفها في مواضعها، ونحو ذلك، ولأجل أن نحيط بنظر التشريع الإلهي فيما يتعلق بأموال الصغير رتبنا موضوعنا ضمن مطالب.
المطلب الأول: المقصود بالصغير هو من لم يبلغ البلوغ الشرعي، وهو بالنسبة للذكر إما أن يبلغ خمسة عشرة سنة هجرية قمرية، وإما أن تظهر إمارات البلوغ قبل ذلك، كإنبات الشعر الخشن في منطقة الإبط والعانة أو ظهور اللحية والشارب بشعر خشن، أو تغيير في صوته، وأما البنت فأن تتم التسع سنين، ولكن أضاف العلماء إلى ذلك الرشد في تسليم الأموال إلى الصغير بعد بلوغه كما سوف نعرف.
المطلب الثاني: حول المراد بالأموال, كل شيء يبذل العقلاء في مقابله الأموال من الأمور العينية، كالنقود، والمواد العينية كالملابس والأطعمة والأراضي والمزارع والمعامل ونحو ذلك، بلا فرق بين صيرورتها مالاً له بالإرث أو بالهدايا أو بالعمل من قبله، أو بالحيازة كاستخراجه السمك من النهر ونحو ذلك.
المطلب الثالث: حول من يقوم على أموال الصغير, في الدرجة الأولى يكون الولي على أموال الصغير الأب والجد من طرف الأب، ثم الأمر من بعدهما لمن وصى أحدهما، ثم لولي الأمر الشرعي، الإمام المعصوم أو نائبه الخاص أو العام، وهم مراجع الدين، كما الحال في زماننا، فهم يقومون بحفظ وتنمية ورعاية أموال الصغير حتى يبلغ ويصير راشداً، إما مباشرة وإما بتعيين من يثقون به، وليس بالضرورة أن يكون من أقارب الصغير كأمه أو إخوته الكبار أو أعمامه وأخواله؛ إذ أن التعيين يخضع لضوابط معينة، فإن توفرت في الأقربين فهم أولى برعايته وإلا فلا.
المطلب الرابع: حول ضوابط التصرف بأموال الصغير, وفيه ثلاث نقاط:
قبل الدخول في بيان ذلك لا بأس أن نبيّن أن الصغير إذا بلغ وصار راشداً، فينبغي دفع أمواله له من قبل الولي أو الوصي لعدة أدلة، منها قوله تعالى: {وَ ابْتَلُوا الْيَتامى حَتَّى إِذا بَلَغُوا النِّكاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ}[1]؛ إذ ذكرت الآية المباركة البلوغ بقوله تعالى{حَتَّى إِذا بَلَغُوا النِّكاحَ}، أي صار بالغاً، وذكرت الرشد بقوله{ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً}.
النقطة الأولى: ضوابط تصرفات الصغير نفسه بأمواله, يظهر من بعض الروايات أن التصرف الخيري ينفذ إذا أصاب موضعه، مثل إذا أوصى في بعض ماله لأحد أقاربه، أو تصدق، وشيء من هذا القبيل، ومن الروايات، معتبرة جميل بن دراج عن أحدهما، أي الإمام الصادق أو الباقر”ع” ، قال: يجوز طلاق الغلام إذا كان قد عقل وصدقته ووصيته وأن لم يحتلم[2]، نعم لابد من أن تكون تصرفاته تحت نظر الولي أو الوصي، لأنه هو الذي يراقبه ويشرف على عمله كي يعلم إن وضع المال في موضعه، فالروايات لم تطلق يدّ الطفل في ماله حتى في التصرفات الخيرية من دون ملاحظة الولي لها وإشرافه عليها، ولكن ليس للولي منعه عنها إذا رأى أنه يضعها في موضعها، وفي هذا دلالة على احترام إرادة المميز التي تعود إلى نفعه الأخروي ونفع المجتمع أيضاً، ولكن هذه الروايات لم ترفع الحجر عن الصبي في التجارة والبيع والشراء، فلم تسمح ببيعه وشرائه وتجارته مستقلاً، أي من دون إذن الولي أو الوصي.
النقطة الثانية: حول تصرفاته في غير ما ذكر في النقطة الأولى بإذن الولي, إذا أتجر الصبي تحت إشراف الولي وإرادته وأمره ونهيه, فقد ذهب بعض العلماء إلى صحة هذه التجارة وذلك، لأن الصبي لم يكن مستقلاً في تصرفه حتى يكون ممنوعاً منه، كما أن الولي لم يعط المال إلى الصبي ليكون تحت هيمنته وتصرفه تصرفاً مستقلا، بل إنَّ إشراف الولي عليه ينهي استقلالية تصرف الصبي، فيتمسك بإطلاق أدلة المعاملات، على أن آية{ ابْتَلُوا الْيَتامى…} تدل على صحة عقد الصبي المميز تحت إشراف الولي، فإن المفهوم عرفاً من ابتلاء الصبي بإيقاع المعاملة منه ولو اختباراً تحت إشراف الولي هو الحكم بصحتها.
وأما إذا تصرف الصبي في التجارة ولم يكن بإشراف الولي، بل كان بإذنه، فهل تصح معاملته أو يكون محجوراً منها؟
الجواب: إنَّ هذه المعاملة باطلة وذلك لأن إذن الولي لا يسلب التصرف الاستقلالي الذي كان الطفل ممنوعاً منه للأدلة الكثيرة، فما دام التصرف من قبل الطفل خالياً من الإشراف من قبل الولي فيكون تصرفاً مستقلا وهو مشمول لأدلة المنع فلا يكون صحيحاً، نعم استثنى الكثير من العلماء تصرفات الصغير في الأمور الجزئية، كشراء قطعة حلوى أو قلم أو دفتر أو نحو ذلك، التي يعبَّر عنها بالأمور الحقيرة، ففي هذه الدائرة الضيقة، قالوا: بكفاية الإذن من الولي في التصرف فيها بدون إشراف منه، والدليل على نفوذ تصرف الطفل في المحقّرات مع الإذن من دون إشراف هو سيرة المتشرعة أو السيرة العقلائية الممضاة من قبل الشارع المقدس.
النقطة الثالثة: حول تصرفات الولي أو الوصي في أموال الصغير, إنَّ المشهور بين العلماء جواز التصرف مشروط برعاية المصلحة التي تعود إلى الصغير، ولكن ذهب البعض إلى كفاية عدم وجود مفسدة وإن لم تكن هناك مصلحة، وهذه التصرفات غير محددة بالبيع والشراء، بل تشمل كل التصرفات المالية، كالتصدق عنه أو الهدية عنه أو نحو ذلك، ومن ذلك جواز أكل الولي أو الوصي من أموال الصغير إذا كان محتاجاً وفقيراً بالمقدار المتعارف، قال تعالى: { وَلَا تَأْكُلُوهَا إِسْرَافًا وَبِدَارًا أَنْ يَكْبَرُوا وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ}[3]. وقبل أن أختم أحب أن أنبّه على أن على الأولياء أو الأوصياء الرجوع إلى العلماء في تحديد دوائر التصرف في أموال الصغير، فإنه من الضروريات التي لا ينبغي التغاضي عن معرفة رأي الشريعة الإسلامية في ذلك، وما ذكرته ما هو إلا إضاءات حول هذا الموضوع الحساس والذي يكثر الابتلاء به.
الأستاذة زهراء قبلة – العراق
[1]. سورة النساء :6 .
[2]. وسائل الشيعة 13 : ب 15 من الوقف ، ح 2 .
[3]. سورة النساء : 6 .