الرئيسية / الرئيسية / شخصيات مضيئة
صحراء ربذة

شخصيات مضيئة

أبو ذر الغفاري رضوان الله عليه

     رافض الأزلام قبل نزول الشرع والأحكام، لم يكن تأخذه في الحق لائمة اللوام، ولا تفزعه سطوة الولاة والحكام، صبر على المحن والرزايا، واعتزل مخالطة البرايا إلى أن حل بساحة المنايا، أشهر من الشمس، وأبين من الأمس، الصحابي الجليل أبو ذر، جُندب بن جُنادة الغِفاري رضوان الله عليه.

     قال فيه رسول الله”ص”: «ما أظلّت الخضراء وما أقلّت الغبراء أصدق لهجة من أبي ذر….أبو ذرّ في أُمّتي شبيه عيسى ابن مريم في زهده».

     كان أبو ذرّ في ثُلّة الأوائل الّذين آمنوا بالإسلام, وأسلمت معه أمه وأخوه أنيس, قَدِمَ المدينة سنة 6هـ، فأسكنه النّبيّ”ص” في المسجد مع أصحاب الصُّفَّة. وكان من خاصّة النّبيّ”ص” وحواريّيه في المدينة. شارك في عدة غزوات, وفي سنة 7 للهجرة سلّمه النبي محمد”ص” مقاليد الأمور في المدينة خلال حجّة العمرة. وفي فتح مكة رفع لواء بني غفار المكون من ثلاثمائة مسلم. وفي غزوة تبوك انطلق أبو ذر برفقة النبي محمد”ص” مع المجاهدين، إلا أنه تخلّف عن القافلة بسبب موت بعيره، فاتهمه البعض بالتخلف، إلا أنه حمل متاعه على ظهره والتحق بهم سيراً على الأقدام، فأثنى عليه النبي محمد “ص”.

     وعندما رحل رسول الله “ص” إلى جوار ربه تعالى واستُخلف أبو بكر كان أحد الأركان الأربعة الذين أثبتوا ولاءهم للإمام علي”ع” مع سلمان والمقداد وعمّار. و دافعوا عن أحقّية أمير المؤمنين”ع” بالخلافة. فعن ابن عباس قال: رأيت أبا ذر الغفاري متعلقا بحلقة بيت الله الحرام وهو يقول: أيها الناس من عرفني فقد عرفني ومن لم يعرفني أنبأته باسمي أنا جندب أبو ذر الغفاري إني رأيت رسول الله في العام الماضي وهو آخذ بهذه الحلقة وهو يقول: أيها الناس لو صمتم حتى تكونوا كالأوتار, وصليتم حتى تكونوا كالحنايا, ودعوتم حتى تُقطعوا إربا إربا ثم أبغضتم علي بن أبي طالب أكبكم الله في النار. ثم قال: قم يا أبا الحسن فضع خمسك في خمسي يعني كفك في كفي فإن الله اختارني وإياك من شجرة أنا أصلها وأنت فرعها فمن قطع فرعها أكبه الله على وجهه في النار. ثم قال:علي إمام المتقين يقتل الناكثين والمارقين والجاحدين. علي مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي. هـذا أول من آمن بي وأول من يصافحني يوم القيامة، وهو فاروق هـذه الأمة يفـرق بين الحق والباطل، وهو يعسوب المؤمنين.

       وعن داود بن أبي عوف عن معاوية بن ثعلبة الليثي قال: مرض أبو ذر فأوصى إلى علي”ع”، فقال بعض من يعوده: لو أوصيت إلى أمير المؤمنين عمر كان أجمل لوصيتك من علي، قال: والله لقد أوصيت إلى أمير المؤمنين حق أمير المؤمنين، والله إنه للربيع الذي يسكن إليه، ولو قد فارقكم لقد أنكرتم الناس وأنكرتم الأرض، قال: قلت: يا أبا ذر إنا لنعلم أن أحبهم إلى رسول الله”ص” أحبهم إليك، قال: أجل، قلنا: فأيهم أحب إليك؟ قال: هذا الشيخ المظلوم المضطهد حقه، يعني علي بن أبي طالب.

     وبلغ في القُرب من الإمام”ع” درجةً أنّه كان معه في الخاصّة من أصحابه عند تشييع السّيّدة فاطمة الزّهراء”س” ودفنها ليلاً.

     كان أبو ذر مولعاً برواية الحديث ولهذا قاسى الأذى في عهد عمر وسُجن. ويبلغ مجموع الأحاديث التي خلّفها 281 حديثاً, وقد روى عنه الحديث بعض الصحابة مثل عبد الله بن عباس وأنس بن مالك وحذيفة بن أسيد، وكثير من التابعين أمثال عبد الله بن الصامت وأبي الأسوَد الدؤلي والأحنف بن قيس وسعيد بن المسيّب.

     وظل أبو ذر معارضاً لممارسات عثمان في المدينة، وعامِله معاوية في دمشق مِن انتهاك للسُّنّة النّبويّة، فنفاه عثمان إلى الشام، وفي الشام بقي على نهجه في التصدّي إلى مظاهر الإسراف والتبذير لأموال المسلمين ونشر فضائل أهل البيت”ع”، ولمّا عجز منه معاوية راسل عثمان في شأنه وطلب عثمان من معاوية أن يُرجِع أبا ذرّ إلى المدينة بُعنف. فحمل من الشام إلى المدينة على مركب وعر، وفي المدينة واصل انتقاده للنظام الحاكم والأسرة الأمويّة، فغضب عثمان وأمر بنفيه إلى الرَّبَذة.

     وعند توجهه إلى صحراء الربذة، شايعه أمير المؤمنين”ع” وبعض مقرّبيه على الرغم من معارضة عثمان لذلك. وأقام هناك مع زوجته وبنته وعدد من الأغنام والجمال وتوفي رضوان الله عليه غريباً في منفاه سنة 31 أو32 هـ , وصلّى على جثمانه الصحابي الجليل مالك الأشتر, ودُفن فيها.

      قال في حقه الإمام علي”ع”: «خلقت الأرض لسبعة بهم يرزقون، وبهم يمطرون، وبهم ينصرون: أبو ذرّ وسلمان والمقداد وعمّار وحُذيفة… وأنا إمامهم، وهم الذين شهدوا الصلاة على فاطمة”س”».

قال الشيخ الصدوق”ره”: «معنى قوله: خلقت الأرض لسبعة نفر، ليس يعني من ابتدائها إلى انتهائها، وإنّما يعني بذلك أنّ الفائدة في الأرض قدّرت في ذلك الوقت لمَن شهد الصلاة على فاطمة”س”، وهذا خلق تقدير لا خلق تكوين».

   فرحم الله أبا ذر عاش وحيداً ومات وحيداً و يبعثُ وحيداً

ضحى المرهون _ الحجاز

شاهد أيضاً

21445185332_f463abf699

درس من حياة فاطمة”س”

  قد نكون واجهنا صعوبات وخسارات مادية هائلة لإتمام عمل معين, أو حتى في جريان …