{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ}[1]
الصيام من الفرائض والواجبات التي فرضها الله سبحانه على عباده, وذلك لما فيه من آثار مادية ومعنوية على تربية الإنسان وصلاحه في عالم الدنيا والآخرة. ولذا جاء عن رسول الله”ص” أنه قال: “الصوم جنة” أي ستر من آفات الدنيا، وحجاب من عذاب الآخرة، فإذا صام الإنسان فلينو بصومه كف النفس من الشهوات، وقطع الهمة عن خطوات الشيطان، ولينزل نفسه منزلة المرضى لا يشتهي طعاما ولا شرابا، متوقعا في كل لحظة شفاه من مرض الذنوب، وليطهر باطنه من كل كدر، وغفلة وظلمة تقطعه عن معنى الإخلاص لوجه الله تعالى.
ولا ينسى الحديث القدسي: “الصوم لي وأنا أجزي به”, واغتنام هذه الفرصة التي تحمل في طياتها الكثير من الفوائد والتي أشار لها صاحب مصباح الشريعة بقوله:
“فالصوم يميت مراد النفس، وشهوة الطبع الحيواني، وفيه صفاء القلب، وطهارة الجوارح وعمارة الظاهر والباطن، والشكر على النعم والإحسان إلى الفقراء، وزيادة التضرع والخشوع والبكاء، وحبل الالتجاء إلى الله، وسبب انكسار الهمة، و تخفيف السيئات، وتضعيف الحسنات، وفيه من الفوائد مالا يحصى”[2] .
ولا يقتصر فضل هذا الشهر على الصيام فقط, بل أن كل عمل صالح يؤدى في هذا الشهر له الأجر المضاعف والأكبر من باقي الشهور, فعن رسول الله”ص” :
“إن شهر رمضان شهر عظيم يضاعف الله فيه الحسنات، ويمحو فيه السيئات، ويرفع فيه الدرجات، من تصدق في هذا الشهر بصدقة غفر الله له، ومن أحسن فيه إلى ما ملكت يمينه غفر الله له، ومن حسن فيه خلقه غفر الله له، ومن كظم فيه غيظه غفر الله له، ومن وصل فيه رحمه غفر الله له”.
وعن الإمام الرضا”ع” أنه قال: “إن شهركم هذا ليس كالشهور، إنه إذا أقبل إليكم أقبل بالبركة والرحمة، وإذا أدبر عنكم أدبر بغفران الذنوب، هذا شهر, الحسنات فيه مضاعفة، وأعمال الخير فيه مقبولة، من صلى منكم في هذا الشهر لله عز وجل ركعتين يتطوع بهما غفر الله له” .
ثم قال”ع” :” إن الشقي حق الشقي من خرج عن هذا الشهر ولم يغفر ذنوبه، فحينئذ يخسر حين يفوز المحسنون بجوائز الرب الكريم” [3].
ثم إن لليلة القدر المكانة العظيمة في هذا الشهر المبارك, الليلة التي بينها سبحانه بأنها خير من ألف شهر, و أن أبواب السماوات تتفتح بها, وأن الملائكة تتنزل فيها, تطوف بين العباد وترفع أعمالهم إلى المليك المقتدر, فعن أبي جعفر الباقر “ع” أنه قال :
“قال رسول الله “ص” لما حضر شهر رمضان قال لبلال: ناد في الناس! فجمع الناس، ثم صعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه.
ثم قال : أيها الناس! إن هذا الشهر قد حضركم وهو سيد الشهور، فيه ليلة خير من ألف شهر، تغلق فيه أبواب النيران، وتفتح فيه أبواب الجنان، فمن أدركه فلم يغفر له فأبعده الله، ومن أدرك والديه فلم يغفر له فأبعده الله، ومن ذكرت عنده فلم يصل على فلم يغفر له فأبعده الله”[4] .
وأخيرا, ماعلينا إلا أن نغتنم هذه الفرصة التي منحها لنا خالقنا, ونحضر في ضيافته التي دعانا إليها, لنرتوي من عذوبة ماء الغفران, ولنستلهم من عين الرحمة الإلهية, ولا نكون من الذين يمرّ عليهم هذا الشهر فلا ينالون منه إلا الجوع والعطش.
أم حيدر – الجزائر
[1] البقرة : 183 و184 .
[2] مصباح الشريعة 15و16 .
[3] آمال الصدوق , ص33, عيون الأخبار ,ج1,ص293 .
[4] ثواب الأعمال,ص59, آمال الصدوق,ص35.