غبرّ آفاق السماء وكوّرت *** شمس النهار وأظلم العصران
فالأرض من بعد النبيّ كئيبةٌ *** أسفاً عليه كثيرة الرّجفان
فليبكه شرق البلاد وغربها *** ولتبكه مضرٌ وكلّ يمان
وليبكه الطّود المعظم جوّه *** والبيت ذو الأستار والأركان
يا خاتم الرّسل المبارك ضوؤه *** صلّى عليك منزّل القرآن
أحزان جرت من قلب سيدة النساء فاطمة الزهراء”س” على فراق أبيها رسول الإنسانية والبشرية محمد المصطفى”ص” الذي رافقته في كل مراحل حياتها, وقد اعتلاها من الهمّ والغمّ ما لا يعلمه إلا الله.
ولمكانتها وعلوّ شأنها عند الباري جلّ وعلا بعث إليها من يؤنسها ويخفف عنها فراق أبيها رسول الله”ص” فكان مصحف فاطمة الذي هو عبارة عن تحديث الملك لها صلوات الله عليها وتدوين أمير المؤمنين علي”ع”.
مصحف فاطمة.. هذه العبارة التي ما إن طرقت أسماع البعض حتى انقدح التساؤل:
مصحف لفاطمة!! و هل عندنا مصحف غير القرآن الكريم!! ما هو هذا المصحف؟! ما حقيقته!؟ على ماذا يحتوي؟؟! وهل هو تحديث ملك أم وحي منزل؟؟ وهل يمكن للملائكة أن تحدّث من ليسوا بأنبياء!! أين مصحف فاطمة؟!
لهذا.. ارتأيت أن أتناول هذه المسألة بشيء من التوضيح لإزالة أي لبسٍ أو تساؤل يتبادر إلى الذهن بما يتناسب والأسطر المتاحة.
أول ما يتبادر للذهن عندما نسمع عبارة “مصحف فاطمة” هو ما المراد بكلمة مصحف؟
للإجابة على ذلك, علينا أن نرجع إلى المعاجم اللغوية لبيان كلمة مصحف.
وردت تعاريف متعددة لهذه العبارة وهي وإن تعددت ألفاظا لكنها واحدة معنىً ومضموناً, ومن هذه التعاريف:
- ما ذكره ابن منظور في لسان العرب: >صَحَفَ, الصحيفة التي يكتب فيها, والجمع صَحائف, وصُحُف, وصُحْف<
المُصحف, والمِصحف: الجامع للصحف المكتوبة بين الدفّتين.
- ما ذكره الراغب في مفرداته: الصحيفة, المبسوط من الشيء كصحيفة الوجه, والصحيفة التي يكتب فيها, وجمعها صحائف, وصحف<.
وغير ذلك من المعاجم اللغوية الأخرى التي يتبين من مجموعها أن المصحف لغةً هو الكتاب والصحف المكتوبة الموضوعة في مجلد وما بين دفتين. لكن يمكن لنا التساؤل بأننا إذا تأملنا في القرآن الكريم لانجد أن لفظة >المصحف< من الأسماء التي يطلقها القرآن لنفسه, فهناك أسماء مثل الذكر, الكتاب, الفرقان.
يقول تعالى: {صُحُفاً مُطَهَّرَة}[1] وقد فسرّت على أنها إشارة للقرآن الكريم, ولكن هذا الإطلاق بلحاظ المعنى اللغوي أي المكوّن من مجموعة من الصحائف المسطورة بين الدفتين ولذا قال تعالى: {صُحُفِ إِبْراهيمَ وَ مُوسى}[2] وهذا يعني أن لفظ >مصحف< غير مختص بالقرآن الكريم, فهو معنى أعم من القرآن. وبملاحظة ما ورد من الروايات كقول النبي|: >النظر في المصحف من غير قراءة عبادة<[3] و>القراءة في المصحف أفضل من القراءة ظاهراً<[4].
وغيرها من الروايات الواردة في فضل النظر في القرآن الكريم, نخلص إلى القول: >إذا وردت لفظة >المصحف< ولم تكن مضافة إلى اسم بعدها فيكون المراد منها ما هو الغالب وهو القرآن الكريم بقرينة الروايات التي ذكرت وغيرها أيضاً.
وإذا كانت مضافة إلى اسم بعدها, كان المراد منها المعنى اللغوي الموازي والمساوي لمعنى الكتاب مثل صحف إبراهيم, صحف موسى, مصحف فاطمة, مصحف علي و…
إذن لا يتبادر للذهن أن المراد من مصحف فاطمة هو قرآن فاطمة, لأن لفظة المصحف أعمّ من القرآن وغير القرآن, فكيف إذا كانت مضافة إلى اسم, فهذا أوضح دلالة على المراد, وسوف يتضح فيما بعد (إن سنحت لنا الفرصة) بأن مصحف فاطمة ليس قرآناً وليس فيه شيء من القرآن.
عبير شرارة – لبنان
[1] . سورة البينة: 2.
[2] . سورة الأعلى: 19.