في أيّ بحث كان.. قبل التطرق إلى مسائله لابد من معرفة ضرورة البحث حتى نخوض فيه بحافز ودافع قـوي ..
وابتداءً من هنا لابد من طرح بعض الأسئلة والتي هي:
1ـ هل المباحث المهدويّة عملية أم نظرية؟
2ـ هل يعتبر البحث في المسائل المهدوية حاجة بشرية ومن متطلبات العصر؟
3ـ ماهو التغيير الذي يطرأ على حياة الإنسان المسلم عند الاعتقاد بالمهدوية؟
فموضوع المصلح أو الموعود ليست فكرة أو نظرية ظهرت لمداراة المظلومين ولتسكين آلامهم.. بل هي هوية شيعية نستطيع من خلال الآيات والروايات الوصول إلى ضرورتها.. وفي هذا الصدد نذكر بشكل مختصر الأبعاد المختلفة لضرورة طرح القضية المهدويّة.
- 1. البعد العقائدي
“الاعتقاد” هو أساس بنيان الحياة وهذا يعني أنّ كل ما يمارسه الإنسان في ميدان العمل يعود بلا شك وتردد إلى ذلك البنيان الأصلي…
فإذا كانت عقيدة الإنسان صحيحة ومحكمة فسوف لن يصاب بالزلل والتشكيك, وإنّ أهم مايقوّم الاعتقاد هو المعرفـة, وبتحصيلها يمكن الوصول إلى هذه النتيجة, وهو أنّ الإمام المهدي”عج” هو امتداد لآبائه أئمة الهدى”ع” وهو خاتم الأوصياء وواسطة الفيض الإلهي, وهو طريق لمعرفة المولى تعالى كما جاء في الروايات بأن طريق معرفة الله تعالى وصفاته تكمن في معرفة أولياءه والأئمة الأطهار”ع”, فبهم يتجلى العرفان الإلهي وهم السبيل للوصول إلى الله سبحانه وتعالى.
نقلت الشيعة وأهل السنة عن النبي الأكرم”ص” قال: من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية[1].
ولكي نُوفق لمعرفة الإمام اُمرنا بقراءة هذا الدعاء: (إلهي عرّفني حجتك فإنك إن لم تعرّفني حجتك ضللت عن ديني)
ومع وجود كل هذه الأثار ألا يجب علينا أن نجتهد في معرفة إمامنا الغائب”عج” ومعرفة أبعاد وجوده المقدس؟
2ـ البعد الاجتماعي
منذ أن استقرّ الإنسان في الأرض, كان يأمل بحياةٍ اجتماعيةٍ سعيدة, فإن لم يكن ما يتمناه موجوداً فلن يخطر في باله أمنية كهذه أبداً.. كما أنه إذا لم يكن طعام وماء فلا يكون هناك معنى لمفهوم الجوع والعطش.
و”المهدويّة” فكرة لها آثار اجتماعية عديدة أهمّها محـو اليأس من جسد الأمة.. إذن فإنها تعني الأمل بمستقبل مشرق, وأنها رسالة لجميع المظلومين في العالم, وإنّ اليوم الذي يأتي فيه ذلك المصلح عندها سيحقق لهم ما يأملون به..
إن المسلم يعي بأن النظام الاجتماعي الوحيد الذي يحقق جميع متطلباته ورغباته المشروعة هو النظام الذي يقوم على أساس الحق والعدالة, وهو النظام الإسلامي الذي يكتمل في عصر ظهور المنتظر”عج”, وهذا مايبعث الأمل والنشاط والحيوية.. وهذا ما صرّح به بعض المستشرقين كالفيلسوف الألماني ماربين حيث قال: من جملة المسائل الاجتماعية المهمّة الباعثة للأمل والاستقامة هو الاعتقاد بحجة العصر وانتظار ظهوره.
إذن الاعتقاد بوجوده المقدّس يحي الأمل في قلب الإنسان الذي يعتقد بظهوره وما دام يحمل الإنسان هذا الاعتقاد فلن يصاب باليأس لأنه يعلم بوجود نهاية مشرقه وحتميّة, يسعى للوصول إليها ولا ينهار أمام إعصار المصائب والبلايا التي قد تضربه.
3ـ البعد السياسي
شهد التاريخ انهيار جهات وحكومات مختلفة في العالم.. وبالأخص شاهدنا في السنين الأخيرة كيف أن الأفكار الليبرالية الديمقراطية الغربية والشيوعية غلبت العالم وأخذت تهدد بالسلاح النووي وهذا أوضح دليل على أن ما تعتقده يشوبه الفساد ولا يمكن أن يتخذ منهجاً صالحاً..
هاتان الفكرتان قد سيطرتا على العالم السياسي المعاصر ولكننا شاهدنا كيف انهارت أحدهما في ما مضى, والأخرى اليوم في طريقها إلى الفشل والسقوط لأننا ببساطة نستطيع أن نطّلع على الثغرات والمشاكل الموجودة في الأفكار الليبرالية الديمقراطية وماحصل فيها من الأزمات الأخلاقية والنفسية والتكنولوجية و… وهذا ما يشير إلى أن هذه الإمبراطورية في مسيرها لخسارة فادحة وكبرى..
إذن ماذا يفعل هذا الإنسان الحائر بعد ما شاهد فشل الأنظمة السائدة وما تحملها من شعارات فارغة قد خدعت بها الأمة؟!
إن البشر اليوم متعطش لنظام جديد في ميدان السياسة العالمية, وما يروي ظمأه هو نظام المدينة المهدوية الفاضلة فقط..
فالنظرية المهدوية هي نظرية طُرحت لتسود العالم لأنها النظرية الوحيدة التي تسد احتياجات البشر اليوم..
4. البُعد التأريخي
قضية المهدويّة هي امتداد لخط الإمامة والنبوة والخاتمية, ولذلك بدأت في مرحلة حساسة من التأريخ وما زالت مستمرة حتى اليوم وستستمر إلى آخر لحظة من حياة البشر, فعلى ذلك إن الإمامة الممتدة من إمامة الإمام علي”ع” وحتى إمامة الإمام المهدي”عج” وردّ فعل المسلمين تجاهها بشكل أعم والمهدوية بشكل أخص والحوادث التاريخية تُعدّ من المواضيع المهمة والحساسة في التاريخ الإسلامي..
إن قضية المهدوية قد طرحت على مرّ التاريخ وكتب الفريقين الشيعة وأهل السنة مليئة ببشارات النبي الأكرم| بقدوم المهدي المنتظر”عج”.
والملفت للنظر في هذه القضية إنّ كثيراً من الحركات الإصلاحية في الماضي والحاضر قد تأثرت بالفكر المهدوي كالفاطميين في مصر وحركة مهدي السوداني في السودان وغيرها. وإن الحركات الإصلاحية ذات تأثير كبير في المجتمعات الإسلامية بصورة جعلت بعض المتأمرين أن يدّعوا المهدوية ويستعملوا المفردات المهدوية ليصرفوا أنظار الناس إليهم.
5. البُعد الثقافي
من أهم وظائف المسلمين هو السعي إلى نشر ثقافة المهدوية والصدّ لما يمنع أو يؤخر ظهوره”عج” والعمل في هذا المجال يدور على ثلاث محاور:
- فهم استراتيجية الانتظار وذلك باعداد القوى وتطويرها لتحقيق الظهور.
- تحديد الضرر,كتحديد نقاط الضعف ثم السعي إلى حلّها..
- تحديد الأعداء, فإن أعداء الإسلام تستخدم أي حربة لإيقاف تطور نظرية المهدوية والمنع من التفكير فيها..
- فلابد لنا إذن من التعرف الصحيح على مباحث المهدوية كي نستطيع الوقوف أمام التشويهات والتحريفات التي يقوم بها أعداء الأمة.
زهراء الميالي – العراق
[1] . بحار الأنوار, ج 23, ص300.