إن الذي أوصانا بتخلید عزاء الإمام الحسين عليه السلام هو النبي محمد صلى الله عليه وآله وأهل بیته عليهم السلام من بعده، لأن هدف قیام الإمام کان هدفاً مقدساً إلهیاً، وأرادوا لهذه المدرسة أن تخلد إلی الأبد.
إننا لن نجد نموذجاً خالداً شبیهاً بالحسین عليه السلام والمدرسة الحسینیة، وإذا ما وجدتَ نموذجاً شبیهاً بالحسین عليه السلام عندها یحق لک أن تتساءل لماذا نحن نجدد العزاء له کل عام، بل لماذا نبکي علیه ونعمل هذه الشعائر أصلاً؟ فإذا ما وجدت شخصاً یناظره في الذي حصل له في واقعة کربلاء من شدة الابتلاء والمصیبة والمحن ومن صبر وإیمان وفکرٍ توحیدی ومعرفة بالله ورضاً وتسلیمٍ لأمر الله تعالی، کذلك ثباته وعزة نفسه وکرامته وفکره المتحرّر الطالب للحریة، فالحسین قد توافرت فیه کل ممیزات القداسة والنهضة، فالمعروف أن أول شرط لنجاح أي نهضة کونها لیست شخصیة ولا فردیة، بل هي نهضة لتحریر الإنسان من الظلم والاستبداد والقهر والذل، وواقعة کربلاء توفرت وتجسدت فیها کل الأهداف النوعیة والإنسانیة والمعنویة. وهذا ما عناه الرسول صلى الله عليه وآله حیث قال: «حسین منی وأنا من حسین» فإذا وجدت نظیراً له في هذه الصفات یحق لك أن تسأل: لماذا نحن نبکي ونخلد الحسین عليه السلام؟
نحن إذ نحیي اسم الحسین وثورته من أجل أن تنعکس علینا بعضاً من ظلال روح الحسین عليه السلام وإذ نسکب دمعاً علیه حتی تنسجم روحنا مع روحه وتتسامی روحنا لترقی لمستوی الروح الحسینیة الإِیمانیة.
فلو ذرفنا کماً هائلا من الدموع علی أمرٍ ما، قد یقول قائل: إن دموعك کلها بدون فائدة أما لو جرت دمعة واحدة من عیوننا ولو بمقدار جناح ذبابة لکانت تمثل قیمة الدنیا کلها، لماذا؟ لأنها دمعة علی الإمام الحسین عليه السلام، فهي تسیل علی أساس الدین والعقیدة والانسجام والتلاحم مع الحسين عليه السلام واتباع نهجه وسیرته.
أراد أئمتنا عليهم السلام أن نری ونفهم هذه المدرسة العملیة ونشاهدها ونلتحم معها حتی یتبین لنا أن أهل بیت النبوة عليهم السلام هم خیر شاهد ودلیل علی صدق النبي محمد صلى الله عليه وآله في کل أقواله وأفعاله، وکذلك شباهة أهل البیت عليهم السلام بالنبي صلى الله عليه وآله في کل شيء، فعندما نری أهل البیت عليهم السلام في منتهی الصفاء والإیمان والثبات والصبر والخلق والحلم فهو خیر دلیلٍ علی صدق النبي ودینه وقرآنه.. فالحسین حفید النبي صلى الله عليه وآله وابنه عليه السلام وعندما یأتی الحسین ویعترض ویحتج ویقول: «ماخرجتُ أشراً وَلا بطراً وَلا مفسداً إنما خرَجتُ لطلبِ الإصلاح في أمةِ جدي رَسولِ الله جئتُ آمرُ بالمعروف وأنهی عنِ المنکر»..
فهذا لیس شیئاً غریباً أبداً وبالمقابل نعرف الآن من هم الأمویون؟ ومن هو یزید؟ وماذا کان یرید؟ ومن هو الحسین؟ وماذا کان یرید؟، فواقعة کربلاء تعکس لنا جلیاً فضائل الإنسانیة وفضائل الدین وضلال وعدوانیة ووحشیة الطرف المقابل.
فمن جملة شروط نجاح النهضة الصحیحة هو قیامها وتفردها في وقت مظلم مليء بالفساد والظلم والانحراف الکامل عن الحق، وهذا ماکان واضحاً جلیاً في زمن یزید. وهذا تماماً ما شخصه الإمام وذکره حیث قال: «ألا ترون إلی الحق لا يعمل به وإلی الباطل لا يتناهی عنه لیرغب المؤمن في لقاء الله محقاً» لذلك لابد لنا من إحیاءِ هذه الواقعة وتخلیدها فهو تخلید للإنسانیة تخلید للأخلاق تخلید للدین وتخلید للنبي محمد صلى الله عليه وآله وإقامة لشعائر الله.
ألیس هذا درساً بلیغاً في الحیاة؟ بل هو أهمُ دروس الحیاة.
دروس الصبر والإیثار دروس الثبات والعزیمة دروس الأخوة والوفاء دروس التضحیة والإباء دروس الإخلاص والفناء دروس العزة والسخاء دروس البذل والعطاء دروس التسلیم الکامل والبصیرة الثاقبة وغیرها الکثیر الکثیر.
لهذه الأسباب وغیرها والتي هي بالعشرات نحن نحیي ونقیم عزاء الإمام الحسین عليه السلام، نبکي علیه من زاویة المعرفة والإدراك والیقین إضافة إلی زاویة العبرة والحزن والألم ومواساةً للرسول صلى الله عليه وآله والبتول عليها السلام، نرفع صوته لیرفعنا إلی مستوی الإنسانیة الحقیقیة، فهي حقاً مدرسة صناعة الإنسان الحقیقي.
إعداد أم یقین الحسني من کلام الشیخ المطهري بتصرف
التحریفات المعنویة لواقعة عاشوراء للشیخ مرتضی المطهري، مجلة الریاحین