(سأنجزه فيما بعد)!!.. عبارة تتكرر في حياتنا.. ما أسبابها؟.. وما العلاج؟
الأعمال والمسؤوليات تتضاعف يوما بعد يوم، وذهني مشوش إلى درجة أنه عاد يشعر أن كل شيء ليس في مكانه، وبوقته، وكيف يمكن لي تذكر كل هذه الواجبات!!
تخليت عن الكثير من الأمور المهمة لضيق الوقت.. الفطور، المشاركة في صلاة الجماعة، الجلوس مع أفراد العائلة، زيارة الأقارب وغيرها من الأمور التي أدرك جيدا أهميتها؛ وما أحلته إلى غدٍ ربما أنجزته بعد أسبوع وما أجّلته إلى يوم العطلة صار ركاماً من وظائف، لم أقم بعشر منها كيف وقد استيقظت من النوم قبيل الظهر وتناولت الغداء عند الثالثة!!
*** *** *** ***
تعريف الإهمال:
هو تأخير بلا دليل لعمل قد قررنا القيام به[1]، وقد ورد التحذير منه في الروايات الشريفة بمرادفات: (الكسل، الضجر، التسويف)، فعن الإمام الصادق”ع”: (إياك وخصلتين الضجر والكسل فإنك إن ضجرت لم تصبر على حق، وإن كسلت لم تؤد حقاً)[2].
والمهملين على أنواع:
الصنف الأول: أشخاص مهملون لكنهم لا ينتبهون لهذا الأمر وقد ألفوه ولا يعدّونه مشكلة فهم مبتلون بالغفلة.
الصنف الثاني: من هم معترفون بالإهمال ولكنهم لا يفكرون بحلّ لهذه المشكلة.
الصنف الثالث: وهؤلاء الأشخاص ملتفتون إلى أنهم مهملون ويشعرون بتوبيخ الضمير لكنهم عاجزون عن وضع الحلول المناسبة لهذه المشكلة، وهذا القسم هو الأقرب للتخلص من الإهمال.
أما أسباب هذه الظاهرة:
يمكن عدّ هذه الأمور من أسباب الإهمال وهي: قلة تثمين الوقت، ضعف الإرادة، عدم تقديم الأهم فالمهم، قلة الثقة بالنفس، توقع النجاح من أول تجربة، الشعور بالخوف من الفشل[3]، ضغط العمل، المشاغل المتعددة،كثرة النوم، طلب الراحة، المحيط، انتظار ظروف خيالية، طبيعة عصر التكنلوجيا، كثرة الانشغال بوسائل الاتصال.
كيف نتغلب على هذه الظاهرة؟
- الالتفات إلى أهمية الزمان والوقت: فعمرنا عقد انفرطت حباته منذ صرختنا الأولى، إن وظَفناه لبلوغنا الكمال لم يذهب سدىً وإلا تساقطت حباته الثمينة في بحر العدم، فالعمر مما يُسأل الإنسان عنه، ولذا قد ورد عن رسول اللّه”ص”: (لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتّى يسأل عن عمره في ما أفناه)[4]،ولعل السبب في تأجيلنا الأعمال إلى ما بعد لتصور أن هناك فرصة وأن الوقت فيما بعد يسنح في الإنجاز، في حين أنه لاضمان لتحقق الفرصة للقيام بهذا الواجب المؤجل في ظل الانشغالات المتكررة فقد ورد عن أمير المؤمنين”ع”: (الفرص تمرّ مرّ السّحاب، فانتهزوا فرص الخير)[5].
- تخصيص وقت معين لكل عمل(برمجة الأعمال): وذلك بوضع خطة سنوية وشهرية وأسبوعية ويومية، ووضع فراغ لتدارك الأعمال الفائتة للحيلولة دون تراكمها، فعن أمير المؤمنين”ع”: (أوصيكم بنظم أموركم)، ولو طالعنا سيرة كل الأشخاص الناجحين والمؤثرين على اختلاف مشاربهم, لوجدنا أنهم اهتموا اهتماما دقيقا ًبمسألة تنظيم الوقت؛ على سبيل المثال يُنقل أن الشهيد بهشتي[6] عندما استشهد وجدوا أنه قد برمج أعماله لمدة ستة أشهر قادمة!! ويقول العلامة محمد تقي الجعفري من الأمور التي أعطت حياة الأوربيين رونقاً هي مسألة تقسيم الوقت.
- إيجاد الحافز: يقسّم علماء النفس الناسَ حسب ميولهم إلى أقسام، فقسم يميل ويرغب في النجاح, وهؤلاء يحبون خوض تجارب فيها شيء من المجازفة، ولا يديرون ظهرهم لو فشلوا بل يسعون في التجارب؛ وفي المقابل هناك أشخاص يرغبون _ وبسبب الخوف من الفشل_ بأداء أعمال واضحة النتائج، ويديرون ظهورهم لأبسط تجربة فشل، ولذا ننصح هذه الفئة بأن يقرؤوا حياة الأشخاص ذوي الهمم العالية وكيف تغلبوا على الصعاب، وأن يتصوروا عملهم بعد أن أنجزوه وقد غمرهم الشعور بأنهم مبدعون لا مجرد فقط متفرجون ومستهلكون.
- تصغير العمل وتقسيمه: فعن الإمام الصادق”ع”:(الْمَعْرُوفُ لا يَتِمُّ إِلَّا بِثَلَاثٍ بِتَصْغِيرِه وتَعْجِيلِهِ [وَسَتْرِهِ] فَإِنَّكَ إِذَا صَغَّرْتَهُ فَقَدْ عَظَّمْتَهُ وَإِذَا عَجَّلْتَهُ فَقَدْ هَنَّأْتَهُ وَإِذَا سَتَرْتَهُ فَقَدْ تَمَّمْتَهُ)[7], وكما قالوا: (انظر كلياً واعمل جزئياً).
ولنأخذ من ترتيب غرفة ما مثلا في تقسيم العمل, فإذا أردت تنظيف غرفتك فليس عليك قلبها رأساً على عقب، بل يمكنك ترتيب الأدراج اليوم والخزانة غدا, وغسل الستائر بعد غد.
- استخدم قانون الأهم فالمهم في التنفيذ: لو تزامن لديك واجبين في وقت واحد, من قبيل زيارة مريض وزيارة تهنئة, فإنك بالطبع سوف تقدم زيارة المريض؛ يقول الإمام الصادق”ع” في دعاء له (واستعملني بما تسألني غداً عنه).
6.معاهدة النفس: يتفق علماء الأخلاق والنفس على أهمية تقوية الرقيب الذاتي، الذي لا يبخل عن التشجيع والمكافأة عند القيام بأعمال حسنة، ولا يشفق على النفس من المعاقبة عند التكاسل والمماطلة، أما العهد واليمين فلا يحبذ استعماله, قال تعالى في كتابه العزيز{وَلا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمانِكُمْ}.
- غيّر نمط لغة الحوار مع نفسك: للتخلص من دور التسويف, غيّر نمط اللغة, احذف (فيما بعد), (غدا) و(سوف أسعى) وأمثال هذه العبارات من قاموس حياتك، ردّد مع نفسك (الفرص تمر مر السحاب)، (هذا العمل بسيط سأنجزه الآن)، (وداعاً للتسويف)، (أنا أستطيع إنجاز هذا العمل) و…
- ليس من الضروري أن تكون الأفضل: يطلق الفلاسفة على هذا العالم بعالم التزاحم ويرون أن ما يعتريك من تعويق جزئي بأنه( قسر أقلي)[8]، لا تتوقع الحصول على أفضل النتائج من أول تجربة، أو أن يتحقق كلما تخططه، لا بأس لو فاجأك ضيف من دون موعد سابق أو أصرّ طفلك على اصطحابه للحديقة العامة، في خضم عملك وتذكر أن غايتك القصوى هي رضا الله تعالى (حتى تكون أعمالي كلها وردا ًواحدا وحالي في خدمتك سرمداً) لا التفوق الفردي.
- تغلّب على الشعور بالخوف: إن الخوف يفعل فعله عندما يهرب الإنسان من المواجهة، يقول الإمام علي”ع” في هذا الصدد: (إذا هبت أمرا فقع فيه فإن شدة توقيه أشد من الوقوع به)[9].
10.انتشل نفسك من عادة الاستغراق مع قاتلي الوقت: يقول العالم النفساني كريس آل كلينكه: نحن نعيش في مجتمع الوجبات السريعة، وهذا النوع من الحياة يروج اللا أخلاقية واللا إبداع ، عندما نشعر بالملل وبدلاً من القيام بعمل خلاّق نشغل أنفسنا بالتلفاز، وعندما يعتاد الأفراد على شغل أنفسهم بالأمور الخارجية بحد أكثر من الحد الطبيعي سيشعرون بمرور الزمن بالبؤس والعجز[10]. حدد ما الذي أخل بنظام حياتك هل هو إدمان مشاهدة التلفاز؟ أم الجلوس على الشبكة العالمية التي يطلق عليه ضرة العصر الحديث؟ أم النقال بنغماته واتصالاته، ورسائله؟
- ادمج الأعمال التي يمكن دمجها, وبهذه الطريقة يمكنك اختصار الوقت كأن تدعو أقاربك على الغداء في نزهة، أو أن تتحدث إلى ابنك أو توجهه عقائدياً أو أخلاقيا وأنت تمارس رياضة المشي، أو تتسلق الجبال، أو تلعب معه وأنت تقوم بتحضير الطعام، وهذه الطريقة إضافة لاختصارها الوقت قد أثبتت التجارب على ارتفاع نسبة التأثير كما لو كانت في ثوبها الكلاسيكي ووعظها المباشر أو في قاعة صف مغلق.
- استخدم قانون التدريج: ابدأ ببرمجة أعمالك اليومية العادية، مثل خصّص يوما للتسوق وآخر لغسل الملابس، ابدأ بالتمرين بأعمال بسيطة مثلا إذا كنت تعاني من هجر القرآن اقرأ في اليوم خمس سور من السور القصار التي تحفظها عن ظهر قلب أو صفحة واحدة، وإذا كنت ممن يريد ترك عادة الاستيقاظ متأخرا قدم موعد استيقاظك ربع ساعة لا أكثر.
13.تمرّن على أن تقول(لا) وبكل لباقة: بين الرغبات والمصالح، بين اللهو والجد، بين تضييع الوقت مع الآخرين (مجاملة) وإنجاز المسئوليات،يعني إعمال الإرادة التي يعبر عنها الإمام الخميني بأنه جوهر الإنسانية ومعيار ميزة الإنسان[11] في اختيار الطريق الذي يمكن اختياره بعد الإجابة على: هل إن آدميتي محصورة في هذا الجسم المادي، وهل حياتي تقتصر على هذا العالم سؤال يصعب الإجابة عليه لكن في إعمال الجواب لذة لا توصف.
بقلم صديقة الموسوي_أفغانستان
[1]. التحليل النفسي للإهمال, اليس البرت ووليام جيمزنال، ص19.
[2]بحار الأنوار : 72/191/8
[4]. تنبيه الخواطر, ج2 ص 75.
[6] . من الشهداء القادة في الثورة الإسلامية الإيرانية.
[7] .غرر الحكم ودرر الكلم: ص 388.
[8]. دروس في الحكمة الإلهية, عبد الله الأسعد.
[9] . غرر الحكم ودرر الكلم: ص263 .
[10].آل كلينكه،مهارة الحياة، ص185.
[11].الأربعون حديثا, روح الله الخميني, الحديث الأول.