عندما نسمع عبارة الأسرة المثالية ينقدح في أذهان أكثرنا أنها أسرة متكونة من أبوين خلوقين منسجمين ذي شكلين مرغوبين, لديهم من الأبناء لا يزيدون عن ثلاثة أو أربعة, وأن يكون الأبناء من الجنسين, صورهم جميلة, أخلاقهم لطيفة أذكياء و … يعيشون في بيت أنيق ومناسب, يملكون من الأموال مافوق الحدّ المتوسط, ينعمون براحة وسلام … كما تصوّرها القصص الرومانسية المنسوجة.
لكن … هل هذا هو معنى الأسرة المثالية وتعريفها في مفهوم الدين الإسلامي؟ وهل فعلاً أن الأسرة المثالية في نظر الإسلام لابد أن تحوز هكذا خصوصيات من مال وجمال وأولاد ومسكن وما إلى ذلك..؟ أو أن هناك شيئاً آخر رسمه الإسلام لنا في طيّ آياته وأحاديثه؟
لو تدبّرنا روح ديننا الحنيف لوجدنا أن خصوصيات الأسرة المتكاملة قد تكون أموراً أخر غير ذلك ! حيث تتغيّر النظرة من دنيوية بحتة إلى رؤية إلهية متکاملة !
إن الإسلام وهو أكمل الأديان قد أعطى للأسرة أهمية بالغة وعرّفها بأنها محل صناعة الإنسان الكامل, ليتخذها منطلقاً ومعراجاً إلى كماله, فيكدح إلى ربه كدحاً حتى يلاقيه, فالأسرة هي محل التكامل والرقي هذا من جهة.. ومن جهة ثانية فقد تمرّ بالإنسان ظروف عصيبة وغير مواتية لا يملك فيها حولاً ولا قوة, كأن يكون مصاباً هو أو أحد أفراد أسرته بمرض عضال, أو قد يعاني الفقر طوال حياته أو بعض مقاطعها, وقد تمنعه ظروف من الزواج, أو قد يحرم الذرية, أو قد يفقد شريك حياته أو قد لا يحظى بنوع من الجمال أو… وهذه أمور ليست مأخوذة من نسج الخيال, بل هي أقرب ما تكون إلى حياتنا ! فهل نحن محرومون من نعمة الأسرة المثالية؟! وكيف لنا أن نعيش أجواء هكذا أسرة؟
نعم, إن الأسرة إذا أرادت أن تعيش حالة المثالية والتكامل, لابد أن تتخذ طريقاً واحداً وهدفاً واضحاً, ألا وهو طريق القرب الإلهي, بأن تجعل كل أهدافها منصبة في رضا الله, خالصة لوجهه الكريم, وأن يتعاون أفرادها من أجل الوصول إلى ذلك الهدف المنشود, فالزوجان يعين أحدهما الآخر على استدامة طريق العبادة بأفضل صورها, وخدمة الإسلام ولو كان الثمن هو التعب والعناء بل الفراق… حتى يصل أقصى حالات الإعانة بتقديم شريك الحياة أو أحد أفرادها قرباناً للإسلام … وعندما يمنحهما الله عطيته أمانة في أعناقهما, يسعى كل منهما لتربية أبناء صالحين , فيأخذان بأيديهم إلى ساحة الطاعة ومدارج القرب الإلهي…
وقد رسم لنا الإسلام نهج أسرة مثالية راقية في كل أبعادها, أسرة هي نموذج الفضل والصبر والسماحة, معصومة في أفرادها من كل جهة، الأب والأم.. بل وحتى الأولاد, أسرة مطهرة من كل دنس ورجس, ألا وهي أسرة البيت العلوي عليهم أفضل الصلاة والسلام, فكان كلٌ منهم نعم الرفيق على طاعة الرب كما ورد في الحديث[1] ؛ عاشوا الفقر أكثر فترات حياتهم, عاصروا الغزوات والحروب المفصلية في صدر الإسلام, فكانوا أول السابقين إلى ميادينها, بعد ظروف هجرة قاسية, مع صعوبات حمل الزوجة وولادات متعاقبة في ظل محن ومعاناة.. لكنهم جميعاً في غاية الود والانسجام, في رؤية توحيدية تجعل كل صعب يسير, وكل مصاب جميل, لأن هدفهم واحد وهو طاعة الله تعالى في أعلى مصاديقها, لذلك عاشوا حياة مثالية طيبة ..
الأستاذة آلاء الحیدري – العراق
[1] بعد زفاف علي وفاطمة عليهما السلام قال رسول الله صلوات الله عليه وآله:ياعلي كيف وجدت أهلك؟ قال نعم العون على طاعة الله وقال لفاطمة مثل ذلك فأجابت كذلك .