من جملة الأحكام المطروحة في القرآن الكريم مسألة الإرث والتوارث, فهي من أهم المسائل الضرورية التي ذكرت في عدّة آيات, وقد شرحها المفسرون والفقهاء شرحاً مطولاً في طيات كتبهم التفسيرية والفقهية، فيفترض على كل مسلم أن يتعرف على كنه هذه المسألة لما قد يخطر في أذهان البعض، أن أموال الشخص بعد وفاته تعود إِلى الملكية العامّة أو إِلى بيت مال المسلمين أو إعطائه لغير مستحقه كما كان في زمن الجاهلية؛
لكن في الواقع أن التوارث أمر طبيعي؛ فكما أن بعض الصفات والحالات الروحية تنتقل من الأبوين إِلى الأولاد فكذلك الأموال التي هي نتاج جهود الإنسان ومساعيه وفي الحقيقة هي طاقاته المتجسدة في صورة المال وهيئة الثروة وهذا هو حكم فطري.
لذلك نجد الكثيرين لا يتركون الكدّ والعمل حتى آخر لحظة من حياتهم رغم ما يملكون من ثراء طائل، ليوفروا مستقبلاً زاهراً لأبنائهم ويقيموا لهم حياة سعيدة بعدهم.
ومن نظرة أخرى, فهذا يدل على أن الإرث وقانون التوريث قادر على إعطاء العجلة الاقتصادية دفعة قوية ويزيد من حركتها ودورانها ونشاطها، بينما إِذا عرف الشخص أنّ أمواله بعد موته تعود إِلى الملكية العامة، فإِنّه قد يفقد قسطاً كبيراً من نشاطه الاقتصادي ويصاب بالفتور والكسل.
ولأهمية هذا البحث حاولنا أن نبيّن لكم سهم ميراث أهم طبقة من طبقات الإرث إضافة إلى نصيب الزوجين دون باقي الطبقات لما فيه من كلام مطوّل لا يسع مجال الحديث عنه هنا.
معنى الإرث
حقيقة الإرث ملك ما يتركه الميت لمن بعده ممن هو أولى به في حكم الله؛ وهو في الأصل بمعنى انتقال مال أو ثروة من شخص إلى آخر من دون أن يكون بينهما عقد, أي الانتقال عبر مسير طبيعي تلقائي، لا عن طريق البيع والشراء ولهذا يطلق الإرث على انتقال أموال الميت إلى خَلَفه. قال الله سبحانه وتعالى في محكم كتابه:
{لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا}[1]
كانت العرب في الجاهلية تورّث الذكور دون الإِناث وكانوا يحرمون النساء والأطفال عن الإرث، ويورثون الرجال الأباعد وإن كان من الورثة من هو أقرب منهم، فجاءت هذه الآية لمكافحة العادات والأعراف الخاطئة التي تؤدّي إِلى حرمان الأطفال والنساء من حقوقهم المسلَّمة الطبيعية؛ وأكّد سبحانه وتعالى في ختام هذه الآية بتعبير{ نَصِيبًا مَفْرُوضًا} حتى يقطع الطريق على كل تشكيك أو ترديد في هذا المجال.
وحرّر الإسلام قانون الإرث الطبيعي الفطري وجعل ملاك التوارث في ثلاثة أُمور على عدة طبقات لم تكن معروفة إِلى ذلك الحين:
- النّسب وذلك بمفهومه الوسيع، وهو كل علاقة تنشأ بين الأشخاص بسبب الولادة في مختلف المستويات من دون فرق بين الرجال والنساء والصغار والكبار.
- السبب وهي العلاقات الناشئة بين الأفراد بسبب المصاهرة والزواج.
- الولاء وهي العلاقات الناشئة بين شخصين من غير طريق القرابة (السبب والنسب).
طبقات الإرث
الطبقة الأولى: الأولاد والأبوان مقدمين على غيرهم ولا يرث غيرهم مع وجود واحد من هؤلاء على مذهب الامامية.
الطبقة الثانية : الإخوة والأجداد فهم أقرب إلى الميت رحماً عند فقدان الطبقة الأولى.
الطبقة الثالثة: الأعمام والأخوال. فهم أقرب إلى الميت ممن عداهم عند فقدان الطبقة الثانية.
ومن الملاحظات الهامة التي يجب الاشارة إليها هي أن وجود شخص واحد من الطبقة العليا يحجب كافة أفراد الطبقات السفلى من الإرث فلا يورثون، أمّا الكلام حول الطبقة الأولى يأتي بقوله تعالى:
{يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ…}[2]
سهم الأولاد
جاءت هذه الآية لتبين نصيب الأولاد والآباء والأُمهات, وكما نعلم لا توجد رابطة أقوى وأقرب من رابطة الأُبوة والبنوة، لهذا قدّموا على بقية الورثة من الطبقات الاُخرى، ومن ناحية التركيب اللفظي جعل الأُنثى هي الملاك والأصل في تعيين سهم الرجل، أي أن سهمها من الإرث هو الأصل وإِرث الذكر هو الفرع الذي يعرف بالقياس على نصيب الأُنثى من الإرث إِذ يقول سبحانه: {لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ} وهذا نوع تأكيد على توريث النساء.
ثمّ يقول سبحانه وتعالى لو زادت بنات الميت على اثنتين فلهن الثلثان أي قسم الثلثان بينهن، وفيما لو كانت البنت واحدة ورثت النصف من التركة، ولم يذكر سبحانه سهم الاثنين لوضوح الكلام في قوله تعالى {لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ}.
سهم الأب والأُمّ
وأمّا ميراث الآباء والأُمهات الذين هم من الطبقة الأُولى وفي مصاف الأبناء أيضاً، فإِن له كما ذكرت الآية الحاضرة ثلاث حالات هي:
- إِنّ الشخص المتوفى إِن كان له ولد أو أولاد، ورث كل من الأب والأُمّ السدس.
- إِن لم يكن للمتوفى ولد، وانحصر ورثته في الأب والأُمّ، ورثت الأُمّ ثلث ما ترك و يكون سهم الأب متغيّراً في هذه الحالة.
- إِذا ترك الميت أباً وأُمّاً وأُخوة من أبويه أو من أبيه فقط ولم يترك أولاداً، ففي مثل هذه الحالة ينزل سهم الأُم إِلى السدس، وذلك لأن الأخوة يحجبون الأُم عن إِرث المقدار الزائد عن السدس وإِن كانوا لا يرثون، ولهذا يسمى أخوة الميت بالحاجب.
سهم الأزواج بعضهم من بعض
وأما سهم الزوجين لا يختص بالطبقة الأولى بل يشارك كافة الطبقات؛ وقد ذكر الفقهاء أن الزوج يرث نصف ما تتركه الزوجة إذا لم يكن للزوجة ولد، فإِن كان لها ولد أو أولاد ولو من زوج آخر ورث الزوج ربع ما تتركه فقط؛ على أن هذا التقسيم يجب أن يتمّ بعد تنفيذ وصايا المتوفاة، أو تسديد ما عليها من ديون.
وأمّا إرث الزوجة مما يتركه الزوج، فإِذا كان للزوج أولاد وإِن كانوا من زوجة أُخرى ورثت الزوجة الثمن, ويكون لها الربع إِن لم يكن للزوج الميت ولد، على أنّ هذا التقسيم يجب أن يتمّ أيضاً من بعد تنفيذ وصايا الميت أو تسديد ديونه من أصل التركة.
والملفت للنظر هو انخفاض سهام الأزواج إِلى النصف إذا كان للميت ولد، رعاية لحال الأولاد.
ثمّ إنّ هاهنا نقطة مهمة يجب التنبيه إِليها أيضاً, وهي أنّ السهم المعين للنساء سواء الربع أو الثمن خاص بمن ترك زوجة واحدة فقط، فإذا ترك الزوج عدة زوجات فيقسم ذلك السهم (الربع أو الثمن) بين الزوجات بالتساوي.
أمور هامة
- لماذا يرث الرّجل ضعف المرأة؟
مع أنّ ما يرثه الرجل هو ضعف ما ترثه المرأة، إِلاّ أنّه بالإِمعان والتأمل يتّضح أنّ المرأة ترث _في الحقيقة_ ضعف ما يرثه الرجل إِذ أن هناك وظائف أنيطت بالرجل تقتضي صرف وإِنفاق نصف ما يحصل عليه الرجل على المرأة، في حين لا يجب على المرأة أي شيء من هذا القبيل. وإِنّ على الزوج أن يتكفل نفقات زوجته حسب حاجتها من المسكن والملبس والمأكل وأن عليه أن ينفق على أولاده الصغار أيضاً، في حين أُعفيت المرأة من الإِنفاق حتى على نفسها، وبهذا يمكن للمرأة أن تدخر كل ما تحصله عن طريق الإِرث ولا يكون كذلك للرجل.
- ما هو العول والتعصيب؟
في كتاب الإِرث نقف على بحثين أحدهما تحت عنوان «العول» والآخر تحت عنوان «التعصيب» وهما حالتان تعرضان لمسألة الإرث عندما تكون الأسهم المذكورة في الآيات المتقدمة أقل من التركة أحياناً، أو أكثر أحياناً أُخرى؛ والمعروف عن علماء السنة أنّهم يذهبون إِلى إِدخال النقص على جميع الورثة، وسمّى الفقهاء هذا القسم عولاً، لأن العول في اللغة يعني الارتفاع والزيادة.
ولكن فقهاء الشيعة يذهبون في هذا المجال مذهباً آخر، فهم يدخلون النقص على أشخاص معينين لا على جميع الورثة؛ ويقولون كما جاء في حديث شريف: «إن الذي أحصى رمل عالج _ أي المتراكم من الرمل الداخل بعضه في بعض_ ليعلم أن السهام لا تعول» أي لا تتعدى الأسهم ولا تؤول إِلى الكسر، فلابدّ أن يكون سبحانه قد وضع لمثل هذه الحالة قانوناً، وذلك هو أن بين الورثة الذين ذكرهم القرآن الكريم من له سهم ثابت من حيث الأقل أو الأكثر كالزوج والزوجة والأب والأُمّ، ومن ليس له سهم كذلك كالأُختين والبنتين، ومن هنا نفهم أن النقص يجب أن يدخل دائماً على من ليس له سهم محدد والذي يكون عرضة للتغير والاضطراب.
وقد يكون مجموع الأسهم أقلّ من مجموع المال، فيفضل شيء من المال بعد أخذ كل واحد من أفراد الطبقة الوارثة فرضه؛ وقد ذهب علماء السنة وفقهاؤهم إِلى إِعطاء هذا الفاضل من التركة إِلى عصبة الميت وهم رجال الطبقة الثانية من الإرث (كالأُخوة) ويسمى هذا القسم بالتعصيب.
ولكن فقهاء الشيعة يذهبون إِلى أنّ ذلك الفاضل يجب أن يقسّم بين الوارثين المذكورين، لأنه مع وجود الطبقة السابقة لا تصل النوبة إِلى الطبقة اللاحقة، هذا مضافاً إِلى أن إِعطاء الفاضل من التركة إِلى رجال الطبقة اللاحقة يشبه ما كان سائداً في العهد الجاهلي حيث تحرم النساء من الإرث.
- الإِرث بعد الوصية والدّين:
من الجدير بالذكر أن الوصية وأداء الدين مقدم على تقسيم التركة وقد أشار الله سبحانه وتعالى في الآية على ذلك بقوله {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ}؛ وتنفيذ الوصية يكون في مجال الثلث الخاص به فقط، فلا يصح أن يوصي بما زاد عن ذلك إِلاّ أن يأذن الورثة بذلك.
إعداد سوسن دادرس _ العراق
المصادر:
التبيان , الشيخ الطوسي
الميزان في تفسير القرآن, الطباطبائي
تفسير الأمثل, المكارم الشيرازي
الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية, الشهيد الثاني
وكثير من الكتب الفقهية في باب الارث
[1] . سورة النساء: الآية 7.
[2] . سورة النساء: الآية 11.