البلاء والمصائب وغيرها من الشرور من الأمور التي نواجهها في حياتنا اليومية والتي تسئم منها الكثير من النفوس فتثير التساؤلات في الذهن بأنه لماذا تحدث هذه الأمور يا ترى؟ وما هي الحكمة من وراءها؟ فلنتابع معاً هذه السطور لنعرف ما هي الحكمة من البلاء.
1ـ البلاء عقوبة
عندما تصاب ببلاء أو مصيبة تفكّر في أنه قد تكون أنت السبب فيكون هذا البلاء عقاباً لك على بعض المعاصي التي اقترفتها, ومع هذا فالله يعفو عن كثير ولا يأخذ بكل ذنوبنا, قال تعالى: {وَما أَصابَكُمْ مِنْ مُصيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْديكُمْ وَ يَعْفُوا عَنْ كَثيرٍ}[1]. فإذن لعل البلايا التي تصيبنا نتيجة لذنوبنا فيؤاخذنا بها الله تعالى لأجل أن ننتبه أكثر ولا نكون غارقين بالعذاب فنصاب بعذاب الاستدراج.
2- امتحان واختبار
إن الهدف من خلق الإنسان في الحياة الدنيا هو الامتحان والاختبار, وهذا لا يتمّ إلا بالبلاء والفتنة ليميز الله المؤمن من الكافر, والصابر من الجازع, والطيب من الخبيث, ليلتحق كل بالعالم الذي يناسبه, قال تعالى: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذينَ جاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرينَ}[2], وأكثر ما يصاب به المؤمنون من مصائب ما هي إلا من هذا النوع, لأجل أن تمحص قلوبهم.
3ـ لعلّه خير
يجب أن نعلم أنه ليس كل بلاء في الدنيا هو شر ونقمة علينا, بل قد يكون خيراً لنا ولكن لعدم إحاطتنا بكل شيء لا سيما في مستقبل الأمور, قد نظن أنه شر لنا وفي الواقع هو خير, {وَعسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُم}[3]. لا سيما إن كنا متوكلين في كل أمورنا على الله ومن يتوكل على الله فهو حسبه. فإذن يجب أن لا نتسارع في الحكم على ما يصيبنا من أمور إذ لعلها بنفعنا ومن جانبنا ونحن لا نعلم.
4ـ إيقاظ وتنبيه
لعل الله وجد الإنسان غافلاً عن الآخرة وغارقاً في الدنيا وملهياتها, فأراد لحبه لعبده أن يوقظه من غفلته ويذكره به, كما ورد عن الإمام الصادق “ع”: “إذا أراد الله عز وجل بعبد خيراً فأذنب تبعه بنعمة لينسيه الاستغفار ويتمادى به”[4], فنسيان ذكر الله والإخلاد للدنيا أعظم بلاء على ابن آدم لأنه يوجب حرمان الجنة وحرمان رضوان الله وجوار رسوله وأهل بيته “ع”, وما البلاء الذي يأتيه في هكذا حال إلا بمثابة جرس إنذار لأجل إيقاظه وهذا من لطف الله على عبده أن لا يتركه سدى, غارقاً في ذنوبه وغفلته.
5ـ تطهير من الذنب
إن الله سبحانه وتعالى لحبه بعباده يبتليهم في الدنيا قبل رحيلهم حتى يطهرهم من الذنوب التي لا يستطيعون تحمل عقابها في الآخرة, فعن الإمام الباقر”ع” قال: “إن الله عز وجل إذا كان من أمره أن يكرم عبداً وله ذنب ابتلاه بالحاجة فإن لم يفعل به ذلك شدد عليه الموت ليكافئه بذلك الذنب قال وإذا كان من أمره أن يهين عبداً وله عنده حسنة صحح بدنه فإن لم يفعل به ذلك وسّع عليه في رزقه فإن هو لم يفعل ذلك به هوّن عليه الموت ليكافئه بتلك الحسنة”[5].
6ـ أجر وثواب
جاء في وصيته “ص” للإمام علي “ع”: “يا علي أنين المؤمن تسبيح وصيامه تهليل”[6], وما البلاء هنا إلا مكافأة من الله لعباده من حيث لا يشعرون.
7ـ يحبّب لقاء الله
إن البلاء قد بُيّن في بعض الروايات بأنه يحبب لقاء الله, لأن الدنيا إن صفت للإنسان ولن تتكدر عليه قد لا يحب مفارقتها أبداً فيبغض لقاء الله تعالى. فعن رسول الله “ص”: هبط جبرئيل”ع” في أحسن صورة فقال يا محمد الحق يقرئك السلام ويقول لك: إني أوحيت إلى الدنيا أن تمرري وتكدري وتضيقي وتشددي على أوليائي، حتى يحبوا لقائي، وتيسري وتسهلي وتطيبي لأعدائي حتى يبغضوا لقائي ، فإني جعلت الدنيا سجنا لأوليائي، وجنة لأعدائي.[7]
وخير مثال للبلاء الأنبياء “ع” وخاصة النبي محمد “ص” حيث قال: “ما أوذي نبي مثل ما أوذيت”[8], وآل بيته الطاهرين وبالأخص السيدة زينب “س” يوم العاشر من المحرم الحرام في أرض كربلاء, ومما يميز حياة هذه السيدة الجليلة أنها تكاد تكون قطعة من البلاء, فمنذ السنوات الأولى من حياتها واجهت المصائب والمشاكل بدءاً من فقد جدها”ص” وما حصل لأهل بيتها ثم تتابعت حلقات المصائب إلى آخر لحظة من لحظات حياتها ومن العبارات التي تقرأ في بعض زيارات السيدة زينب “س”: “السلام عليك يا أم المصائب” وحينما يقارن أحد العلماء والمحققين وهو الشيخ النقدي بين المصائب التي تعرضت لها وبين ما تعرض له أخوها سيد الشهداء “ع” فإنه يعلق على ذلك قائلاً: “إن ما أصاب السيدة زينب “س” كان أعظم وأشد لأن كل ما أصاب الإمام الحسين”ع” قد أصابها وزيادة على ذلك تحملت ما جرى من بعد استشهاده”.
لماذا كانت السيدة زينب “س” عرضة لهذه المصائب والابتلاءات؟ حينما يتعرض أولياء الله للبلاء والمصائب فإن من حِكم ذلك أن يكشف مكانة وعظمة هؤلاء القادة والقدوات؟!!
ففي الظروف العادية وأوقات الرخاء قد لا تكون الحاجة ماسة للقدوة والاقتداء, لكن يحتاج الناس إلى القدوة والرمز والمعلم أكثر في أوقات الشدائد والمصائب والابتلاءات والأولياء هم القدوات بالدرجة الأولى لمثل هذه الحالات, إذن لا بد أن يعيش الأولياء حالات الشدائد والابتلاءات حتى يكون تعاملهم مع الابتلاء مجال تأسٍّ واقتداء من بقية الناس. إن الله تعالى أراد لأهل البيت “ع” أن يكونوا محور انقياد الناس ومعقد إمامتهم, فكيف يكون ذلك؟ وكيف يكتشف الناس الصفات الفريدة والمتميزة لأهل البيت “ع”؟ كيف يكتشف جوهر الإنسان وتظهر ملكاته وطاقاته؟ يبيّن الإمام علي “ع” ذلك بقوله: “في تقلب الأحوال علم جواهر الرجال”[9], أي إنما يعرف جوهر الإنسان عند المحن والشدائد, أما في الظروف العادية والطبيعية فقد لا يُعرف ذلك, فالنبي إبراهيم “ع” إنما أصبح إماماً للناس بعد ان ابتلاه الله..
ومن أشد محن ومصائب السيدة زينب “س” كانت محنة عاشوراء, فهي كانت تعلم بما سيواجهها وكانت مستعدة لذلك, والمواقف التي وقفتها في الكوفة والشام إنما كانت إدراكاً منها للمسؤولية… أجل إن ما مرّ على تلك السيدة هو ما كشف للأمة وللتاريخ الشخصية القيادية لسيدتنا الحوراء”س”.
ونختم حديثنا بذكر منهج أهل البيت “ع” في التعامل مع البلاء:
قال رسول الله “ص”: “عجبت للمؤمن وجزعه من السقم ولو علم ما في السقم لأحبّ أن يزال سقيماً حتى يلقى ربه عز وجل”[10].
قال الإمام صادق “ع”: “إن في الجنة منزلة لا يبلغها عبد إلا بالابتلاء في جسده”[11].
وعن الإمام الباقر”ع”: “ما أبالي أصبحت فقيراً أو مريضاً أو غنياً لأن الله يقول: لا أفعل بالمؤمن إلا ما هو خير له”[12].
وعنه أيضاً: “إنما يبتلى المؤمن في الدنيا على قدر دينه”[13]. وعن الإمام العسكري”ع”: “ما من بلية إلا وفيها نعمة تحيط بها”[14].
بقلم أم زهراء_ الجزائر
[1] . سورة الشورى, الآية 30.
[2] . سورة آل عمران, الآية 142.
[3] . سورة البقرة, الآية 162.
[4] . بحار الأنوار, المجلسي, ج70, ص387.
[5] . الكافي, الكليني, ج’ ص444.
[6] . الوافي, الفيض الكاشاني, ج26, ص175.
[7] . بحار الأنوار, المجلسي, ج78, ص194.
[8] . الوافي, الفيض الكاشاني, ج, ص235.
[9] . وسائل الشيعة, العاملي, ص281.
[10] .وسائل الشيعة, الحر العاملي, ج2, ص625.
[11]. الكافي, الكليني, ج2, ص255.
[12] .بحار الأنوار, المجلسي, ج68, ص151.
[13] . وسائل الشيعة, العاملي, ج3, ص264.
[14] . بحر الأنوار, المجلسي, ج75, ص374.