إن الدين في اللغة عبارة عن الانقياد والطاعة, وهذا ما أفاده أصحاب المعاجم في ما أوردوه في كتبهم, يقول صاحب كتاب التحقيق: >الدين: أصل واحد إليه يرجع فروعه كلها, وهو جنس من الانقياد والذل. فالدين: الطاعة, يقال دان له دينا, إذا أصحب وانقاد وطاع. وقوم دين أي مطيعون منقادون<[1].
أما في الاصطلاح, فهو عبارة عن مجموعة من الأمور التي ترتبط بصورة وثيقة بحياة الإنسان لاسيما حياته المعنوية, وذلك لأجل تنظيم علاقة الإنسان مع نفسه وسلوكه في المجتمع؛ وتتمثل هذه الأمور في العقائد والأخلاق والأحكام.[2]
فالدين في الواقع ثورة فكرية تقود الإنسان إلى الكمال والترقي في جميع المجالات المتمثلة في أبعاد الدين الأربعة:
- تقويم الأفكار والعقائد وتهذيبها عن الأوهام والخرافات.
- تنمية الأصول الأخلاقية.
- تحسين العلاقات الاجتماعية.
- إلغاء الفوارق العنصرية والقومية.
ويصل الإنسان إلى هذه المآرب الأربعة في ظل الإيمان بالله لا ينفك عن الإحساس بالمسؤولية.[3]
والمعيار الأساس لسلامة الدين كقانون ومنهاج لحياة الإنسان, هو تمتعه بالحقانية والتطابق معه مع الواقع لا ينكره أي شخص عاقل؛ وبما أن الأديان السماوية قد تمتعت بالحقانية وقامت على وقف متطلبات المراحل الزمنية وكانت كلها تستدعي المرحلة الأخيرة لارتقاء الفكر البشري والنضوج العقلي للإنسان., لذا فإنها تكاملت بصورة تدريجية وفقا لمستجدات الحياة ومواكبة لتطورات الزمن, حتى وصل بها المطاف إلى نقطة المتوخاة, ألا وهي الوصول إلى دين كامل يشمل كل القوانين التي تحتاجها البشرية وهذا الدين لا يمكن إلا أن يكون دين الإسلام الحنيف, الذي ختم الشرائع السماوية بتكامله وبشموليته حتى أصبح {وَ مَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ ديناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَ هُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخاسِرينَ}[4].
بالطبع إننا لا نقصد إن الإسلام قد جاء ليمحو الشرائع السابقة, أو أنه بالضد من الشرائع السابقة فإن لله تعالى دين واحد ورسالة واحدة أرسلها للبشر عن طريق أنبياءه ورسله الذين كانوا حملة لتلك الرسالة ألا وهي عبادة الحق تعالى.
أجل, فما كانت النبوات والرسالات حركات منفصلة عن بعضها البعض لتكون مضادّة لبعضها في ما اختلفت فيه, وما كان الأنبياء يأتون بأقوالهم الشخصية ويتحركون بأذواقهم الخاصة ليحصل بينهم التنازع أو التنافس أو أمور من هذا القبيل, بل الحقيقة إن النبوات والرسالات عبارة عن حلقات لسلسلة طويلة قد امتدت من أول نبي يطأ الأرض بقدمه المباركة حاملا نداء الوحي السماوي إلى البشر, ووصولا إلى خاتم الأنبياء ولؤلؤة الوجود, محمد (ص).
فكانت كل رسالة تطبق حسب مقتضيات العصر الذي تنزل فيه, وإن كانت تختلف أحيانا ببعض الفكر, ونوع من الأسلوب, ووجهة من عمل, إلا أنها تلتقي في النتيجة والهدف تبعا لطبيعة التكامل.
فإذن؛ إن خط الأنبياء كان واحدا, ودينهم كان واحدا أيضا, وهذا ما أشار إليه القرآن الكريم بقوله تعالى:
{ وَ إِذْ أَخَذَ اللَّهُ ميثاقَ النَّبِيِّينَ لَما آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتابٍ وَ حِكْمَةٍ ثُمَّ جاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِما مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَ لَتَنْصُرُنَّهُ قالَ أَ أَقْرَرْتُمْ وَ أَخَذْتُمْ عَلى ذلِكُمْ إِصْري قالُوا أَقْرَرْنا قالَ فَاشْهَدُوا وَ أَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدينَ}[5]
يقول صاحب تفسير الميزان في ذيل هذه الآية الشريفة: وقد أخذ الله الميثاق من النبيين أن يؤمنوا بكل نبي يأتيهم ممن تقدمهم أو تأخر عنهم وينصرونه وذلك بتصديق كل منهم… ثم أمر نبيه (ص) أي يجري على هذا الميثاق جري قبول وطاعة فيؤمن بالله وبجميع ما أنزله على أنبياءه من غير تفرقة بينهم.[6]
وهذا إن دلّ على شيء إنما يدل على أن رسالة الأنبياء واحدة, وأن هدفهم واحد, و أن الدين واحد منذ الأزل عند الله سبحانه, ألا وهو الإسلام {ما كانَ إِبْراهيمُ يَهُودِيًّا وَ لا نَصْرانِيًّا وَ لكِنْ كانَ حَنيفاً مُسْلِماً وَ ما كانَ مِنَ الْمُشْرِكينَ}[7]
[1] .التحقيق في كلمات القرآن الكريم, ج3, ص289.
[2] . انظر: منهاج الحياة, علي الأشكوري, ص11.
[3] . الإلهيات, السبحاني, ج1, ص6.
[4] . آل عمران, 85.
[5] . آل عمران, 81.
[6] . الميزان في تفسير القرآن, الطباطبائي, ج3, ص33.
[7] .آل عمران, 67.
زهراء حسن السالم
العراق