كيف يكون الإنسان متميزاً وناجحاً في حياته؟.. هناك العديد من المراحل والطرق التي تجعل الإنسان ناجحاً موفقاً, لكننا نشير إلى واحدة منها في هذه العجالة, ألا وهي معرفة الذات.
اكتشاف الذات
إن الإنسان على مدى ستين أو سبعين سنة أو أكثر من عمره في الحياة لا يستغل من هذه السنين كلها إلا القليل من قدراته الجبارة التي أودعها الله فيه؛ فإنه أغلب وقته يكون نائماً أو لاعباً أو لاهياً, في حين لابد أن يعرف الإنسان نفسه وقدراته, إذن لابد أن نعرف قدراتنا لكي نعرف استثمارها, يقول الامام علي”ع”: “أفضل المعرفة معرفة الإنسان نفسه”[1], ولا نحكم على ظاهرنا فقط في حين أننا أعرف بأنفسنا من غيرنا, فالجبل لا يظهر منه فوق الأرض إلا القليل في حين أنه في قاع البحر أعظم بكثير, والنفس كذلك, فهي أكبر مما نراها, ولذا يأت الأنبياء ليثيروا دفائن العقول[2]. فيجب أن نعرف ذواتنا أولاً ثم نحكم عليها بالقول: “أستطيع أو لا أستطيع”؛ وكذا بالنسبة للآخرين, ينبغي علينا أن لا ننظر إلى ظواهرهم فقط, وهذا ما وصى به رسول الله”ص” أبا ذر بقوله: “يا أبا ذر إن الله لا ينظر إلى صوركم ولا إلى أموالكم ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم”[3].
التحدث مع الذات
“أنت اليوم حيث أوصلتك أفكارك، وستكون غداً حيث تأخذك”
قامت إحدى الجامعات في كاليفورنيا بعمل دراسة علمية للتحدث مع الذات وذلك عام 1983 م وقد توصلت من خلالها إلی أن أكثر من 80% من الذي نقوله لأنفسنا يكون سبباً للعمل ضدّ مصلحتنا والذي منه القلق الذي يشكل 70% من الأمراض التي نصاب بها من قبيل ضغط الدم العام والقرحة والنوبات القلبية وما شابه.
كيف تتحدث مع ذاتك؟
يمكن للإنسان أن يتحدث مع ذاته من خلال الفكر, ولذا قيل: “راقب أفكارك لأنها ستصبح أفعال, وراقب أفعالك لأنها ستصبح عادات, وراقب عاداتك لأنها ستصبح طباع, وراقب طباعك لأنها ستحدد مصيرك”.
كما يمكنك محاورة نفسك بإعادة ما مضى من أفعالك وأقوالك وجدالاتك, وقراءة ذلك مرة أخرى, فإن ذلك له وقع شديد على النفس. وكن صريحاً في التعبير لكن لا تستحقر نفسك, لأن أشد الأضرار التي تصيب الإنسان هو وصفه لنفسه بالسوء.
إذن أفكاري تتحكم في خياراتي, لكن باستطاعتي توجيه أفكاري, وعليه فإن باستطاعتي في كل لحظه تغيير مستقبلي بأعادة برمجة حاضري الذي أنا فيه.
برمجة الذات
إن أغلب البرمجيات تتكون في ذات الإنسان في السنين الأولى من عمره, وذلك من بدأ الولادة وحتى سن السابعة, وتشكل هذه البرمجيات نسبة 95% من عقولنا وتبقى مخزونة في أذهاننا بالإضافة إلى ما يليها من برامج أخرى طوال السنين بحيث نكون في عمر الـ “21 سنة” قد أكملنا البرمجة المتلقاة من الوالدين؛ وهذه ليست كمية قليلة من البرمجة فينبغي أن لا نستخدم كلمة “لا” كثيراً أمام الوالدين لأنها برمجة سلبية.
كما تتدخل في هذه البرمجة مسألة التقليد من الأصدقاء وتؤثر على السلوك ويكون ذلك في سن الـ “5 _18” وهي مرحلة حساسة جداً, فينبغي اختيار الصديق المناسب لتتم مرحلة برمجة الذات هذه بأفضل صورة.
وللمدرسة الأثر الكبير أيضاً في برمجة الذات, لكن ذلك يعود للمعلم الذي يتولى هذه المهمة, فإن كان أهلاً لذلك تمت البرمجة بأفضل صورة وإلا فلا, إذ من الممكن أن يتلقى الطالب برمجة سلبية من معلمه كسماعه قول “إنك لا تفهم أي شيء مطلقاً”.
ولا ننسى ما للإعلام من دور في برمجة الذات, إذ يقلد الإنسان أكثر ما يرى على شاشات التلفاز من لبسٍ وحركاتٍ وكلامٍ وما شابه.
“فاختر البرمجة الصالحة لنفسك, فأنك ستجد في النهاية ما صنعته لنفسك”
من خطط البرمجة الإيجابية
من خطط البرمجة الصالحة والمفيدة هو الاهتمام ببرمجة العقل الباطن, برمجةً واضحة, ذات رسائل إيجابية تتعلق بالواقع الحاضر. وذلك بطرق عملية منها:
- دوّن على الأقل خمس رسائل ذاتية سلبية لها تأثير عليك مثل: “أنا عصبي, أنا ضعيف, أنا…” ثم مزّقها وألقها بعيداً.
- دوّن خمس رسائل ذاتية إيجابية تعطيك القوة, وابدأ بجمل أمثال “أنا ذاكرتي قوية, أنا إنسان ممتاز, أنا….”, واحتفظ بهذه الرسائل الإيجابية في مفكرة صغيرة.
- اقرأ هذه الرسائل الواحدة تلو الأخرى حتى تستوعبها جيداً, كرر قراءة كل واحدة منها مرات ومرات واغمض عينيك بعد القراءة لتتخيل نفسك بشكل جيد ثم افتح عينيك بكل ثقة.
- ابتدأ من اليوم, واحذر ماذا تقول لنفسك, وانظر إلى ما يقوله الآخرون لك, فإن أخذت رسالة سلبيه غيّر الأمر واستبدل تلك الرسالة برسالة جيدة إيجابية.
- لا تنس أن التكرار هو أساس المهارة, فكرر رسائلك الإيجابية وأنت على ثقة من نفسك, فإنك سيد عقلك, وأنت من تتحكم في حياتك وتستطيع إسعاد ذاتك.
الاعتقاد مولد للتحكم بالذات
لا شك بأن الاعتقادات هي التي تؤثر علی التصرفات, فاعتقد بذاتك بأنها بطلة, وأنها هي الأحسن, وإن لم تتوصل لهكذا اعتقاد فتظاهر بذلك, وتصرف وكأنك أنت الأحسن والأفضل.
اعتقد بما تعنيه الأشياء وما تفيدك أو تؤثر عليك من قبيل”الجوال, الانترنت, القنوات الفضائية في التلفاز”, و اعتقد بأسباب وآثار الأمور من قبيل “إن التدخين يسبب ارتخاء الاعصاب”, واعتقد بالمستقبل بأنك تستطيع أن تعيش بدون ما تتعلق به اليوم مثل “أنا أستطيع العيش من دون السجائر”.
بقلم مواهب الخطيب – العراق
[1] . العلم والحكمة في الكتاب والسنة, الريشهري, ص288.
[2] . انظر: نهج البلاغة, الإمام علي”ع”, ص23.
[3] . جامع أحاديث الشيعة, البروجردي, ج14, ص262.