قد نكون واجهنا صعوبات وخسارات مادية هائلة لإتمام عمل معين, أو حتى في جريان حياتنا العادية, و إضافة لأنفسنا علّنا نعرّض الآخرين أيضاً للأذى. ومن العجب أننا عندما ندقّق في هذه الخسارات المادية التي نواجهها فإننا لا نجد لها جذرا حقيقياً بل هي نتيجة لثقافة باطلة حكمت على المجتمع وتأثرّت حياتنا بها دون هدف مطلوب.
يعلمنا التاريخ الإسلامي درساً في زواج الزهراء”س” وذلك عندما تقدّم لها الصحابي الثريّ عبد الرحمن بن عوف و(طبق تقاليد الجاهلية) كان يعتقد بأن المهر الغالي دليل على عظمة مكانة المرأة و منزلة الرجل. فحضر عبد الرحمن عند النبي”ص” وقال: (يا رسول الله تزوجني فاطمة ابنتك, و قد بذلت لها من الصداق مائة ناقة سوداء زرق الأعين كلها قباطي مصر, و عشرة آلاف دينار) أجابه الرسول الأكرم”ص”: (إنك تهول علي بمالك؟…).
كما تقدّم غيره من أصحاب النبي”ص” لخطبة فاطمة الزهراء”س” بسبب كمالاتها من ناحية وشرف انتسابها للرسول الأكرم من ناحية أخرى؛ لكن الرسول”ص” قد رفضهم جميعاً وذلك لإن زواج البتول”س” كان بيد الله تعالى وهذا ما قاله الرسول”ص” (أمرها إلى ربها)[1] حتى نزل ملك الوحي على الرسول”ص” بالأمر المبرور, ألا وهو تزويج الزهراء”س” من علي بن أبي طالب”ع”.
تشاور الرسول”ص” الأمر مع فاطمة”س”, و عرفها بصفات علي”ع”,بأنه شخص بعيدٌ عن مال الدنيا وثرواتها, منيعٌ من الميزات التي تقيم لها الجاهلية وزناً, متحلٍ بالإيمان والقيم السامية الأصيلة. فوافقت فاطمة”س”بسكوتها الجميل.
فتوجه الرسول الأكرم”ص”ليسأل علياً: (يا أبا الحسن فهل معك شيء أزوجك به؟), فقال: ( فداك أبي وأمي والله ما يخفى عليك من أمري شيء, أملك سيفي, درعي, وناضحي, و ما أملك شيئاً غير هذا).
كان الرسول”ص” يؤكد على بأن قلة المهر من فضيلة المرأة, وهذا ما جاءت به رسالته المباركة من السماء, فقال لعلي”ع”: (يا علي أما سيفك فلا غنى بك عنه, تجاهد به في سبيل الله وتقاتل به أعداء الله, وناضحك تنضح به على نخلك وأهلك و تحمل عليه رحلك في سفرك, و لكني قد زوجتك بالدرع ورضيت به منك).
أمر الرسول”ص” ببيع درع علي”ع” وأن يأتوا بماله. فقسّم هذا المال إلى ثلاثة أقسام, دفع قسماً لبلال كي يهيئ عطراً زكياً, وأمره أن يهيئ بالقسمين الآخرين وسائل للبيت وللعروس. ومن الواضح أن جهاز العرس الذي يهيأ بهذا القدر من المال, لا بدّ أن يكون بسيطاً ورخيص الثمن.
إن مهر فاطمة”س” وصرفه لإعداد جهاز العرس ولوازم المعيشة أكبر دليل على التأكيد على قلة المهر والاقتناع على حدّ المقدرة والحاجة.
زواج سماوي, لأفضل عريسين, بهذه البساطة, ومن دون أي تكلّف, يعلمنا كيف ندبّر حياتنا بأقل إمكانات مادية لنحول دون وقوع الكثير من الخسارة والإسراف والتورط في القرض و.. , الذي يسبب بدوره الكثير من الآلآم النفسية والمشاكل الروحية التي نحن في غنىً عنها في حياتنا؛ فما ينشأ من غلاء المهور وبذل الأموال الطائلة لأجل تهيئة بيت العريسين, إنما هو خلاف ما أمرنا به الإسلام العظيم وخلاف ما كان عليه ديدن أهل البيت, ولذا فإننا نرى ما نرى من المشاكل التي تحول دون سعادة شبابنا المتزوجين حديثاً, بل ولعلها تعوق زواج الكثير من شبابنا في هذه الأيام.
إعداد الدكتور محمد الحريري_ سورية
[1] . كشف الغمة, ج1,باب تزويج فاطمة÷.