جَعَلَ اللهُ مكانةً وعناية خاصة بالمرأة، ولو دَقَقنا جيداً في کثيرٍ من کُتُبِ العلماء الأعلام, أو حتی کُتبِ الأحکام الشرعية أو التّفاسيرِ الصحيحةِ السند لأهل البيت”ع”, لرأينا الترکيز المهم علی هذا الکائن المليء بالأسرار.
ففي کتابِ (مَن لايحضرهُ الفقيه) للمرحوم ابن بابويه القمّي “ره”, وهو من أهمّ الکتبِ الأربعةِ في أبوابِ الصلاة بابٌ بعنوان “أدبُ المرأةِ في الصلاة” يَبحثُ في حالاتِ المرأةِ کيفَ ترکعُ وتسجد وما هو أنفع لها، وفي نهايةِ البابِ يروی روايةً جميلةً عن الإمام الصادق”ع” وهي: أنّ المرأة إذا أنهت صلاتها وأرادت التسبيح فلتُسَبِّح بأصابعها فإنهُنّ مسؤلات, قال تعالی :{بلَى قَادِرِينَ عَلَى أَنْ نُسَوِّيَ بَنَانَهُ}[1] ولعله لا يوجد شيء من هذا القبيل للرجل؛ لکنّ الإمام”ع” يأمرُ المرأة أن تُسبح برؤوسِ أصابعها لأن الأصابع تشهدُ يوم القيامة بذلک الدعاء والتسبيح کما يشهدُ کل البدن کما قال تعالی { إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولاً}[2] وهذهِ خصيصةً وميزةً للمرأة طبعاً.
أما موضوع التکليف وسن البلوغ, فهو من أهمِ الواضحات, أي أنّ الله تعالی يستقبلُ المرأة في حضرتهِ المقدسة قبلَ ست سنوات من استقباله للرجل, حيثُ تبدأ بعمل الواجبات المطلوبة وهي في عمر مبكّر, أوليست هذه أفضلية للمرأة دون الرجل؟. وإن لم تکن أفضلية, فعلی الأقل إنّ الدين وضعَ لها إهتماماً خاصاً, ولذا على المرأةِ أن تَعرفَ قدرها وأهميتها في الحياة, ولا تفکر بتوافه الأمور، فهي ليست بسيطةً وعاديةً في نظر الشرع.
كما إن من أهم الأمور التي ميّزها الدين للمرأة هو عدم تساويها بالرجل من الناحية الجسمية والفسيلوجية, وأعطاها حقوقاً خاصةً تتناسب ووضعها وأنوثتها، حيثُ لو ساواها بالرجلِ تماماً لأهانها وظلمها, لأنه لو ساواها مع الرجل لفرضَ عليها نفس الواجباتِ الصعبة من قبيل العمل الشاق والجهاد الحربي والنفقة علی البيت والخروج لطلب الرزق يومياً بما فيه من أخطار ومساوئ, ولو كان كذلك لما استطاعت الاستراحة للولادةِ والرضاعةِ وتربيةِ الأولاد، فعلاوةً علی تَعبِها في الحملِ والولادةِ والتربية تکونُ مجبورةً علی العمل الشاق المضني خارج البيت وداخله، وهذا يؤثرُ سلباً عليها وعلی نتاجها وعلی تربيةِ أولادها تربية سالمة.
لکنّ الإسلام بالمقابل ساواها بالرجل من حيث الإنسانية والعبادة والحساب والجزاء وبعض الحقوق والفوزِ بالجنة والرقي لأعلی الدرجاتِ والکمالاتِ المعنوية، وهذا ما لم يلحظهُ الغرب ودعاةِ الحريةِ الزائفةِ لحقوقِ المرأة قال تعالی: {إِنَّ الْمُسْلِمينَ وَ الْمُسْلِماتِ وَ الْمُؤْمِنينَ وَ الْمُؤْمِناتِ وَ الْقانِتينَ وَ الْقانِتاتِ…. أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَ أَجْراً عَظيما}[3], فالإسلامُ لاحظ حقوقَ المرأةِ في کلِ المجالات.
وفي کثيرٍ من الأمور کان يقفُ معها أکثر من وقفتهِ مع الرجل لا للتفريق بل لضمانِ حقوقها المهدورةِ عَبرَ آلافِ السنين ولبيانِ أهميةِ دورها, ألا وهو بناء وتربية الأجيال وإدارةِ شؤونِ البيت. کذلک جاء بها القرآن الکريم مثالاً راقياً للمؤمنين والمؤمناتِ عامة حيثُ قال تعالی {وَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً لِلَّذينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ إِذْ قالَتْ رَبِّ ابْنِ لي عِنْدَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ وَ نَجِّني مِنْ فِرْعَوْنَ وَ عَمَلِهِ وَ نَجِّني مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمين} وقال أيضاً: {وَ مَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرانَ الَّتي أَحْصَنَتْ فَرْجَها فَنَفَخْنا فيهِ مِنْ رُوحِنا وَ صَدَّقَتْ بِكَلِماتِ رَبِّها وَ كُتُبِهِ وَ كانَتْ مِنَ الْقانِتينَ}[4] وهنا لم يذکرهما مثالاً للمرأةِ المؤمنةِ الصالحة فحسب, بل جعلهما مثالاً عاماً يشمل الرجل والمرأة.
أما فيما يتعلق بالزواج والخطبة والعقد, فلو دققنا جيداً فيما قررهُ الدين الحنيف والعُرفُ العام من أمورٍ ومستلزمات لبناء هذا البيت المبارک لرأينا أن أکثرهُ يصبُ في مصلحةِ المرأةِ قبل الرجل، إذ من أول خطوة وهي الخطبة, فإنّ الرجل هو الذي يخطبُ المرأة لا العکس. وهذا دليلٌ علی سموِ مکانةِ المرأة ورفعتها حيث يذهبُ الرجلُ مع أهلهِ وأقربائه ويقفُ خاضعاً کي ترضی به المرأة وأهلها. وقد يقَدِمُ التنازلات ويرضی بالشروطِ الصعبةِ في سبيلِ رضاها فقط. ثم يقّدِمُ المهر لها. والمهر لا يعني قيمتها المادية بل يعني قيمتها المعنوية, حيثُ يجب أن يبذُلَ الرجل شيئاً حتی يحصلَ علی موافقتها، ويصبح المهر ملکاً لها ولا يحِقُ له التدخل أو أخذ شيء منهُ دونَ رضاها، ثم علی الرجل أن يهيء لها الحياة الکريمة التي تناسبُ شأنها ولا يظلمها أو يضربها أو يسمعها الکلامَ البذيء. کذلک يکونُ واجباً عليه أن يسعی لطلبِ الرزقِ الحلال وينفقَ عليها، أما المرأة فلا يجبُ عليها ذلک, بل تکون هي ملکة البيت ومديرته وتکون عزيزةً مکرمة بعيدةً عنِ الأخطار. وکثير من الأمور تشترکُ فيها المرأة مع الرجل في الحقوق وتنفرد في بعضها {لِلرِّجالِ نَصيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَ لِلنِّساءِ نَصيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ..}[5]. والأهَمّ من کلّ ذلک هو دورها الفعّال في تنظيمِ أمورِ البيت وخلقِ الجو الهاديء المناسب لتربيةِ الأولادِ وتَنشئتِهِم تَنشِئةً صحيحة ليکونوا جيلَ المستقبلِ وحماةَ الديار وصانعوا الحضارات وخلائف الأرض؛ کل هذا بما أعطاها اللهُ تعالی من الحنان العميق والمحبة والرأفة والصبر والتحمل والسيطرةِ علی الأعصاب وتحمّل الآلام في سبيل أولادها مالا يتحملهُ الرجل ولا يطيقهُ. هذه الصلابة والقوة الموجودة عند هذا المخلوق الرقيق الناعم لهو من العجائب في هذا الكون, فالمرأة مع نعومتها ولطافتها ذاتَ صبرٍ وتحملٍ عجيب.
عن الإمام علي”ع”: “المرأة ريحانة وليست قهرمانة”, إن هذا الحديثُ لو دُقِقَ فيه بتمعن لتوضحت کثير من الأمور منها:
- ريحانة, ليس دليلاً علی الضعفِ المعنوي أو البدني, بل دليل علی النعومةِ والرقةِ والجمال فالريحان له رائحة عطرة وهو أيضاً نوع من أنواع الزهور الذي يفوح عطره في کل مکان, کذلک المرأة فلا يعامُلها الرجل علی أساس الندّية بل يجب مداراتها والعناية بها.
- إن البستاني الجيد يعرفُ في أي وقتٍ ينبت البرعمُ الفلاني من النبتة الفلانية, وهذا الزرع يحتاج إلی ماءٍ أکثر من هذا، وهذا يحتاج إلی ظل وهذا يحتاج إلی ضوء, وهکذا المرأة فالذي يهتم بها جيداً ويداريها سيجدُ حلاوتها ونضارتها وخيرها.
- الزهرة أو النبتة تحتاج إلی حمية من الحشرات وتحتاج مقويات وسماد جيد حتی تنبت بشکلٍ جيد وتعطي مفعولها, والمرأةُ کذلک تحتاج إلی رعاية خاصة لتعطي ماعندها من محبةٍ وحنان. والله تعالی يعبرُ عن الإنسان بالنبات وهو البستاني والناس نباته {وَ اللَّهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَباتاً}[6].
أما فائدة الحجاب في هذا المجال, فإن من الناحية العقلية هو أن کل شيء ثمين يحتاجُ إلی حمايةٍ أکثر, وکل ما يکون الشيء أغلی وأثمن يحتاجُ إلی حمايةٍ أکثر.. وهذا شيء طبيعي جداً. فالمجوهرات الغالية تُحفظ في الخزانة بعيداً عن أيدي اللصوصِ والمتطفلين, والتحف الثمينة کذلک تحفظ في المتاحف الکبيرة. ولمّا کانتِ المرأة مهمة عند الله تعالی وغالية کان لابدّ من الحفاظِ عليها، والحجابُ هو الوسيلة لحفظ المرأة، فالمرأة غالية في نظر الشارع المقدس، کالجوهرة الثمينة التي توضع في أهمّ بنوکِ العالم وتوضعُ لها حراسة قوية. أو الملکة، فلأهميتها ومرکزها لا تَخرجُ هکذا أمامَ العامة بل يجب تأمينُ حمايتها جيداً. إذن, الحجابُ شيء مهم يميّز المرأة ويبقيها سالمة من العيوب والسرقة.
أما من يقول أن الحجاب يحدد ويقيد المرأة من التطور فليس همه إلا استغلالها استغلالاً بشعاً وخداعها بالإعلانات الرَنّانة. وخير دليل على خطأ هذه الدعوى هو أننا نری في دولنا الإسلامية النساء المحجبات يدخلن في کل مکان ويعملن في کل عمل ولا يعيقهن حجابهن شيء بل يحظين بالاحترام والتقدير أکثر من غير المحجبات.
وأخيراً نقول إنّ ما أوردناهُ هوجزء يسير من أهمية المرأة، لذلک عليها أن تعي موقعها وأهميتها ولا تنخدع بما يقال بأنّ الدين الإسلامي قد ظَلَمَ المرأة وحَرَمَها من حقوقِها. بل بالعکس من ذلك, فلو کانت القوانين الإسلامية مطبقة بشکل کامل لما وجدنا النساء المظلومات والمُطَلقات والأرامل والأطفال اليتامی والفقراء الآن بالملايين .
المصادر
- الميزان في تفسير القرآن, العلامة الطباطبائي.
- الأمثل في كتاب الله المنزل, الشيخ مكارم الشيرازي.
- نظام حقوق المرأة في الإسلام, الشهيد المطهري.
- جمال المرأة وجلالها, الشيخ جوادي آملي.
- من لايحضره الفقيه, الشيخ الصدوق.
بقلم أم يقين الحسني_ العراق
[1] . سورة القيامة, الآية4.
[2] . سورة الاسراء, الآية36.
[3] . سورة الأحزاب. الآية 35.
[4] . سورة التحريم, الآية 11_12.
[5] . سورة النساء, الآية 32.
[6] . سورة نوح, الآية17.