عند مراجعة تراث الإمام الخميني (قدس) نلاحظ أنه أعطى موضوع التبعية السياسية أهمية كبرى من بين الموضوعات المهمة الأخرى التي تحدّث عنها. ولعل هذا الشيء نلاحظه أيضاً بشكل واضح في وصيته الخالدة. حيث خصّص (قدس) الكثير من الفقرات حول هذه الظاهرة, وأعطى حلولاً للبلدان والدول المستضعفة.
في البداية يحدد الإمام & هدف القوى الاستكبارية الذي يتمثل بالهيمنة على المنطقة وثرواتها< وكذلك السيطرة على إرادة شعوبها وإحكام قبضته السياسية على الدول الضعيفة. حيث قال ( … فالغرب وعملاؤه _ كما أثبتت التجارب_لايريدون لكم سوى الضياع والغفلة عن مصير بلدكم لينهبوا ثرواتكم ويجروكم إلى ذل التبعية والأسر الاستعماري, وتحويل شعبكم وبلدكم إلى سوق استهلاكية, وهم بما يفرضونه عليكم, إنما يريدون الإبقاء عليكم متخلفين ومثل الوحوش كما يصطلحون).
ويحمّل الإمام (قدس) الأنظمة الحاكمة والرؤساء العرب مسؤولية هذا التخاذل وهذه التبعية العمياء للاستكبار العالمي. فهم وفي سعيهم للحفاظ على مواقفهم ونفوذهم في السلطة. رضوا أن تعيش شعوبهم في ذل التبعية والخضوع, حيث ساهمت الأنظمة الحاكمة وعلى مرّ التاريخ في خلق أزمات متعددة لشعوبها البائسة حتى تبقى هي في سدة الحكم. مثل الاتفاقيات طويلة الأمد مع الدول الاستكبارية أو تنفيذ خطوات كبيرة أو تقديم تنازلات عظيمة من أجل توفير حماية أجنبية في الداخل والخارج. وتكون النتيجة تبعية ودمار للشعب.
يقول الإمام في وصيته: ( لقد رأينا ورأيتم ولا سيّما في القرن الأخير الذي شهد توغل القوى الكبرى ناهبةً العالم شيئاً فشيئاً ودخول مرحلي للبلدان الإسلامية وعموم البلدان الصغيرة… إن أياً من الحكومات المتسلطة على تلك البلدان لا تفكر بحرية واستقلال ورفاهية الشعوب. بل غالبيتها إما أن تكون قد بادرت بنفسها لممارسة الظلم والقمع وإما أن تكون قد نصّبتها القوى الكبرى لنهب وربط الشعوب بها وتحويلها إلى أسواق ونهب للشرق والغرب).
وإنّ ماكان يؤكده الإمام على التخريب التربوي بشكل ممنهج ومدروس, حيث نشأت مع تقدم الزمن أجيال عديدة مسلمة تحمل الأفكار المستوردة وتكون ضعيفة العزيمة والإرادة. وغير آبهة لمستقبل بلدانها وغير فاهمة, بل وتنادي بالفكر الغربي وإدخاله إلى الواقع الشرقي والإسلامي, في الوقت الذي لم ينتبه المسلمون إلى هذا الخطر المحدق بهم.
فيقول الإمام في وصيته: ( ومن مؤامراتهم الكبرى… السيطرة على المراكز التعليمية والتربوية وعلى الجامعات خصوصاً حيث يتسلم خرّيجوها مقدرات البلد, الذين تختلف أساليبهم تجاه مدارس العلوم الدينية عن أساليبهم مع الجامعات, وخطتهم هي إزالة العلماء وطلاّب الدين والحوزات, وذلك عن طريق عزلهم تارةً وبالقمع والعنف تارةً أخرى, وتارةً بالدعايات وتوجيه التهم إليهم, وفي مقابل ذلك إبراز الفئة المتعلمة أو مايصطلح عليها المثقفة, ولكن بمخططات شيطانية).
ويؤكد الإمام على إعطاء الحل وليس فقط إبداء المشكلة, حيث يؤكد على الأساس العقائدي للحل, حيث يقول: (إنني أوصي الأجيال كافة ـ المعاصرة فيها والقادمة ـ أنه لو أردتم الإسلام وإقامة حكومة الله, ولو أردتم قطع أيدي الاستعمار والاستغلال المحلي والأجنبي عن بلدكم فلا تضيّعوا الدافع الإلهي. الذي أوصى به الله تعالى في قرآنه الكريم. ونقيض هذا الدافع الإلهي هو النسيان والفرقة والإختلاف)…(وصيتي للجميع هي أن تسيروا بذكر الله تعالى نحو معرفة أنفسكم ونحو الإكتفاء الذاتي والاستقلال بكافة أبعاده, ويقيناً إن يد الله معكم مادمتم في خدمته متمسكين بروح التعاون من أجل رقيّ الدولة الإسلامية ورفعتها).
إن الإمام (قدس) يسعى لإعادة الثقة إلى نفوس المسلمين لينهي هزيمة العقود الطويلة الماضية, ويحشد قواهم نحو التمسك بالدين والتوكل على الله والإصرار والعزيمة, حتى يصلوا إلى غاياتهم وهو النصر, وإن الغرب فيما مضى وقف خائفاً من هذا الزحف الإسلامي والعقائدي الذي انطلق باندفاع شديد فحاول أن يقتل عناصر الإبداع والعقيدة في نفس الإنسان المسلم, ويضعّفه من خلال توسيع الفجوة بينه وبين الله والعقيدة, بينه وبين الدين والأخلاق.
كان الإمام (ره) يريد خلق جيل إسلامي يشعر بالمسؤولية ويتولى بناء وطن إسلامي جديد ويضع طلاّب العلم وطلاّب الحوزة في مقدمة الفئات الاجتماعية التي تتحمّل هذه المسؤلية, ويوصي الإمام بإصلاح المؤسسات والجامعات وتحصينها من التأثر بالاتجاهات الغربية المستوردة. ويعطي اهتماماً بالغاً للتحرر من التبعية الاستكبارية ويحفّز على بناء البلد بأيدي أبناءه وطاقاتهم وعقولهم. وكان يقول دائماً: (إننا قادرون لو أردنا).
وينبّه الإمام (قدس) من التيارات القاسية التي تمر علينا كل مدة. حيث أن القوى لن تتركنا وشأننا بل هي تحاول وتحاول وبكل ما أوتيت من فرصة وقوة, أن تسيطر من جديد. لذلك فعلى الشباب الواعي المسلم أن ينتبه وأن يكون حذراً وفطناً لهذه الأساليب الشيطانية, حيث لو ضعف قليلاً أمام هذه التيارات أو تخاذل أو لان؛ لسيطرت عليه القوى الاستكبارية من جديد. حيث يقول: ( إن خطوة انحرافية صغيرة هي التي تمهد لانتكاسة الدين والأحكام الإسلامية وحكم العدل الإلهي من جديد).
أم يقين الحسني _العراق