ما كان يخطر على البال أن تستيقظ الأمة من نومها العميق, نوم الغفلة الذي عاشت فيه منذ سنين ولعلها قرون؛ فمازالت أصوات الأنين تسمع من زنزانات أبو غريب والجيزة وغيرها من السجون.. ومازالت الأمهات تنتظر حبيباً مغيباً فلن تطبق لأجله الجفون.. وما زالت تذرف الدموع تارةً, وتحبسها أخرى في سماء العيون.. لكن اليوم قد ولّت الغيوم.. وأفاق الشباب المسلم من الكابوس المعتّم بظلامه ودجاه على حياة الأمة.. أفاق ليصرخ في اُذن الزمان, وليقف أمام موجة الأحزان, بعد طول الصراع وفداحة الآلام, متحدياً آلاف الموانع, من رصاصٍ يمزّق القلوب, ومن قنابل تسيل الدموع, ومن هراواتٍ تحطّم الضلوع, لأجل أن تُحرّر هذه الأمة من طواغيتٍ كمّت الأفواه, ومن عروشٍ كبّلت الأيادي بسلطوياتٍ غاشمة, قد أذاقت الشعوب المرّ في سنينٍ عجاف, وامتصّت دماءهم بلا ارتواء؛ وأمّا هي, فقد رسخت في بهرجة الاستعمار, وراحت تبني قصور الطغيان والاستكبار, بنهب الثروات, بإهداء الغاز, وببيع النفط بثمنٍ بخس.
ولم يكن هذا بالأمر العجيب, فهذه هي السنّة الحاكمة في مسارات الأمم والحضارات, حيث التقدّم والتراجع, حيث الصعود والهبوط, الحياة والموت«وَتِلْكَالْأَيَّامُنُدَاوِلُهَابَيْنَالنَّاسِ»..
واليوم, وبعد فوات قرون من سبات المسلمين, هبّت نسمات الربيع الإسلامي في المنطقة, وأفاقت الشعوب من نوم الشتاء البارد, وتركت أزقته القاسية للعدو, يبحث فيها عن حلٍيبيد به صحوتنا الإسلامية.. لكن هيهات أن نخلد للسبات ثانيةً وقد طردنا النعاس بفناجين قهوة, عاهدت العيون أن لا تجلب الغفوة والسِنة لها بعد اليوم وذلك بعدة أمور, منها:
*إحياء روح الجهاد وجريان دم الشهادة في عروقنا, وهذا ما ورثناه من قائدنا الحسين ابن علي(ع)..
*العودة إلى كتابٍ أصيلٍ تركناه لفترةٍ على رفوف غرفنا, نتبرّك بوجوده وعلّنا نرتّل آياتٍ منه إن اشتقنا إليه.
أجل, العودة إلى قرآننا العظيم, بتجسيد مفاهيمه في واقعنا العملي, وهذا ما دعانا إليه المصطفى(ص) بقوله الوحياني: >فإذا التبست عليكم الفتن كقطع الليل المظلم فعليكم بالقرآن<.
* التحلّي بالإيمان والتوكل على الباري تعالى, لأن الإنسان المؤمن المتوكل لايجد اليأس إليه منفذاً, ولا يدبّ الضعف في عزمه أبداً, ولا يشعر بنقصٍ أو صغرٍ مهما كبرت المشكلات, ومهما زادت الصعوبات.
*الالتفاف حول القادة الإسلاميين في هذه الصحوات والحركات الشعبية, فإن لهذا الأمر الأهمية الكبرى في الوصول إلى الغاية المتوخاة؛ فالقادة الربانيون هم الذين يأخذون بأيدي الشباب المنتفض إلى برّ الأمن والأمان, نحو الهدف السامي, ألا وهو النصر المترقّب في الأفق والذي وعدنا به سبحانه وتعالى>ألَاإنَّنَصْرَاللَّهِقَرِيبٌ»…
*التحلّي بالوعي والحذر, باليقظة والانتباه, بعيداً عن التنازع وتجنباً عن التفرقة, وخصوصاً في هذه البرهة الزمنية العصيبة, حيث يتربّص العدو بنا الدوائر, لبثّ الفرقة في صفوفنا, وإلقاء العنصرية والطائفية في أوساطنا. كما وقد حذّرنا القرآن من هذه الظاهرة بقوله تعالى>وَلَاتَنَازَعُوافَتَفْشَلُواوَتَذْهَبَرِيحُكُم<, والتأريخ يعيد نفسه, فلم يكن غريباً علينا ما حدث من تمزّقٍ في صفوف المسلمين يوم أحد, وافتقاد سيد الشهداء الحمزة ابن عبد المطلب(رض), والنكبة التي وردت على المسلمين في ذلك اليوم الحزين.
* النظر والإمعان في الثورات الناجحة, التي ظلّت لامعة في سطور التأريخ, والتي كانت حصيلة جهود القيادات الواعية, وإطاعة الناس لهم, والوقوف والصمود أمام العدو, مهما بلغت التضحيات من نفيٍ وتبعيد, من سجنٍ وتعذيب, من قتلٍ وحرقٍ وتدمير؛ لكنّ صيحة الحق قد بقيت تاركةً للصدى مداه في التموّج, يرعب المتغطرسين على مرّ العصور..
والنصر آتٍ بإذن الله.. والباطل زاهق.. وإن موعدهم الصبح.. أليس الصبح بقريب؟!
زهراء السالم