( خلاصة لرسالة ماجستير حازت الرتبة الأولى في مهرجان الشيخ الطوسي رحمه الله)
هذا عنوان رسالتي التي قدمتها في مرحلة الماجستير, والتي تناولت بحثاً من أهم البحوث المطروحة دائماً في الساحة الإسلامية بين السنة والشيعة, ألا وهو موضوع الإمامة, وقد ارتأيت أن أبحث في مسألة هامة هي مورد اختلاف بن أبناء الأمة الإسلامية وهي:
هل إن الإمامة نص وتعيين من الله تعالى؟ أم أنها موكولة إلى الأمة؟ أو إلى أهل الحل والعقد وبتعبير أهل السنة أنها بالاختيار وانتخاب الناس وغيرها من الطرق الآخرى؟ .
لقد قام الحکيم الخواجة نصير الطوسي رحمه الله بتأليف (تجريد الإعتقاد) ثم تولى العلامة الحلي رحمه الله شرح هذا المؤلَّف بعنوان (كشف المراد في شرح تجريد الإعتقاد) . وعكف بعد ذلك الملا علي القوشجي _ من علماء الأشاعرة _ إلى توجيه الانتقاد لهذا الكتاب وطرح إشكالاته, فأخذت على عاتقي البحث في وجهتي نظر كل من العلامة الحلي والقوشجي في خصوص مسألة النص والاختيار في الإمام. وأخذت بالرد والإجابة عن كل ما أثاره القوشجي من إشكالات معتمدة على الكثير من الكتب الكلامية عند الفريقين, كما كانت لي محاولات في تفنيد آراء القوشجي أيضاً. ومن هنا شرعت بكتابة هذه الرسالة المكونة من أربعة فصول, وقد ضمَّ الفصل الأول مقدمات وبيان أن مسألة الإمامة ليست جديدة العهد, بل هي وليدة عصر الأئمة عليهم السلام جميعهم, إن لم نقل أنها طرحت بعد وفاة رسول الله | حيث جرت أحداث السقيفة وما تبعها من آثار سلبية على الأمة الإسلامية. وأما الفصل الثاني, فقد خصصته للبحث في أدلة النص عند العلامة الحلي المعتمدة بشكل أساسي على أمرين أساسيين وهما: أن العصمة المشترطة في الإمام تقتضي النص والتعيين لأنها أمر خفي لا يعلمه إلا الله, وهو الذي أعلم أين يجعل رسالته. والأمر الثاني, هو سيرة النبي | القائمة على التعيين فإن كتب الخاصة والعامة مكتظة بذكر الغزوات والأحداث التاريخية التي كان النبي| يتولاها وكان دائماً وقبل أن يترك المدينة, يترك أحداً مكانه يتولى شؤون الأمة في غيابه, أضف إلى أنه | لم يترك مستحباً أو مكروهاً أو مباحاً إلا وبينّه فكيف بما لا يقاس بالمستحب والمكروه وهو مسألة خلافة الأمة بعده |؟! فهل يعقل أن لا يعين إماماً بعده يتولى إدارة الأمة؟ إن العقل السليم يفرض على الإنسان إذا سافر عدة أيام, أو كانت له شركة أو مؤسسة وغادرها مدة من الزمن أن لايترك أموره هكذا, بل يعين ويستخلف من ينوب منابه, فكيف برسول الله | أن يرحل عن هذه الدنيا ولا يبلِّغ ولا يعلن من هو الخليفة من بعده؟!!
وطبعاً لابد من الانتباه إلى أن الإمام في وجهة نظر الشيعة الإمامية معين من قبل الله, وما على الرسول إلا البلاغ, ونحن عندنا الشواهد على ذلك من كتب الفريقين.
كما تمَّ البحث في هذا الفصل بالأدلة الباعثة على لزوم عصمة الإمام, وبالتالي تحتمّ تعيينه من الله تعالى. وتمَّ ذكر إشكالات القوشجي على هذه الأدلة والإجابة عنها كاملة, مع ذكر أدلة للقوشجي خاصة, وأهل السنة عامة في القول بالاختيار وتفنيدها أيضاً.
أما الفصل الثالث, فقد تناول بالتفصيل بيان سيرة النبي | القائمة على أمرين أساسيين وهما:
1- بيان النبي | للمندوبات وأصغر مسائل الشريعة.
2- موارد استخلافه | في كل غزواته وغيرها من الموارد التي كانت تحتم عليه | ترك المدينة بالاعتماد بالدرجة الأولى على مصادر أهل السنة ثم مصادر الإمامية.
كما ذكرت في هذا الفصل بعض القرائن التي تمنع وتحول دون أن يكون | وقد عين خليفة بعده, ومنها السيرة العقلائية القاضية بالاستخلاف. وأن هناك سيرة للصحابة التي كانت قائمة على التعيين, وأن هناك أخطاراً أحدقت بالأمة الإسلامية حينما تمنع من عدم التعيين, وموارد أخرى تثبت لزوم التعيين وعدم ترك الأمة كالضأن لا راعي لها.
وتناول الفصل الرابع الأدلة التي طرحها العلامة الحلي والطوسي حول إمامة علي × من كتب السنة أولاً ثم الإمامية ثانيا, وتقسم هذه الأدلة إلى قسمين: الآيات والروايات.
وبحثت فقط في آية الولاية. كما تناولت حديث الغدير, حديث المنزلة, حديث الدار, وغيرها من الأحاديث القصار, مع بيان آراء القوشجي في ذلك وتفنيدها.
وكانت نتيجة البحث في هذه المسائل هو: إثبات أن الإمامة أمر إلهي وتعيين إلهي وليست هي باختيار أو انتخاب الناس, كما أن الإمام الحق الذي أثبتته الآيات والروايات هو أمير المؤمنين علي عليه السلام.
وقد اعتمدت في هذا البحث على مئتين وإحدى وتسعين مصدراً من كتب الفريقين, وعدد صفحات هذا البحث مئتان وثمانون صفحة.
وأشكر الله سبحانه وتعالى أن وفقني لهذا البحث الهام, كما إنني مدينة لأهل البيت عليهم السلام بهذا المجهود أيضاً.
ولقد أعلنت جامعة المصطفى العالمية أفضل رسائل العام 2011م على مستوى المدارس التابعة لجامعة المصطفى | فكانت إحدى عشر رسالة وكانت رسالتي هذه من بين تلك الرسائل.
كما إنني أحمد الله تعالى أن وفقني أيضاً لنيل الرتبة الأولى من ثلاث رسائل أخرى في مهرجان الشيخ الطوسي رحمه الله. أسأل الله تعالى أن يوفقنا جميعاً لكسب علوم أهل البيت عليهم السلام ونشرها وإيصالها إلى كل العالم إنه سميع مجيب. وأسأله أن يفتح علينا آفاق علومهم أكثر وأكثر.
عبير شرارة
لبنان