من المباحث الجديرة بالاهتمام والتدقيق بحث مرجعية أهل البيت(عليهم السلام) العلمية, وسوف أتناول هذا البحث على مدى سلسلة من المحطات بحيث أقف في كل محطة على جانب من جوانب هذا البحث, ومن هنا فإنني أرجو أن تتحقق الفائدة العلمية من هذه السلسلة, كما ألفت الانتباه إلى أن هذه الفائدة تكون أكمل وأنفع عبر متابعة سلسلة هذا البحث في هذا العدد من المجلة وفي الأعداد اللاحقة.
إن من أكبر العوائق الفكرية التي تقف سداً منيعاً في تقدم الإنسان والوصول إلى معرفة الحقائق هو التعصب الأعمى والتقليد الجاهلي للآباء. ولذا عمد الإسلام منذ إعلان الدعوة المحمدية إلى تحطيم هذه الحواجز, والتنديد بكل من يسلك طريق الجاهلية من دون رؤية وإمعان نظر وتحقيق في صحة هذا السلوك وما ينتج عنه من معتقدات.
إن التعصب الأعمى كان سبباً مهماً وعاملاً أساسياً في إيجاد الاختلافات بين أبناء الأمة الإسلامية الواحدة. كما أن اتباع الإنسان لأهوائه ورغباته وميله نحو الماديات كان سبباً آخراً في نشوء هذه الخلافات. وإن أول خلاف حصل بين المسلمين -هذا الخلاف الهام- كان على الإمامة والخلافة بعد النبي الأكرم(صلى الله عليه وآله), حيث أدى هذا الخلاف إلى انقسام الأمة إلى سنة وشيعة, وهناك العبارة الشهيرة للشهرستاني يقول فيها:( ما سُلَّ في الإسلام سيف كما سُل في الإمامة) الملل والنحل
فكانت الشيعة الإمامية تعتقد أن الخلافة بعد رسول الله(صلى الله عليه وآله)بالنص والتعيين بينما السنة يقولون أنها بالاختيار والانتخاب. وكان من نتائج ذلك الخلاف أن أُقصي أهل البيت(عليهم السلام) عن مسند الخلافة , وهذا يقول العلامة العسكري(رض):(إن منصب الخلافة بما أنه تعيين من قبل الله تعالى لذلك لا يمكن أن يُغتصب من قبل الآخرين فلا يمكننا القول أن وصاية الوصي, إمامة الإمام, خلافة خليفة الله قد غُصبت , نعم يمكننا أن نقول أن الحكومة قد غُصبت منهم لوجود الفرق بين الخلافة والحكومة) دورالأئمة في إحياء الدين
وهنا يمكن طرح مجموعة من الأسئلة:
- ما معنى المرجعية الدينية؟
- هل المرجعية الدينية لأهل البيت محل اتفاق المسلمين؟
- ما هي الخطوات التي اتخذها الأئمة(عليهم السلام) لإظهار مرجعيتهم العلمية؟
- هل استطاع الأئمة(عليهم السلام) القيام بدورهم بالرغم من العوائق والموانع التي واجهتهم؟
- ما هي الخطوات التي اتخذوها(عليهم السلام) لإظهار مرجعيتهم؟
- ما هي الآثار والنتائج السلبية المترتبة على ترك الرجوع إليهم(عليهم السلام)؟
هذا ما سوف يتم البحث فيه:
المقصود من المرجعية العلمية لأهل البيت(عليهم السلام):
المرجعية العلمية تارة نقصد بها أن فلاناً يرجع إليه في المسائل الدينية باعتباره مصدراً من مصادر المعرفة وفهم الدين من دون التعرض إلى مدى اعتبار ما يصدر عن هذا الإنسان من كلام, ومدى قيمة هذا الإنسان في العالم الإسلامي, وبالتالي تبرز مسألة احتمال المعارضة مع مصادر المعرفة الأخرى. وإما أن يقصد بها أن فلاناً هو مصدر يؤخذ منه الدين والمعرفة وأنه المقدَّم على غيره عند بروز التعارض مع طرق المعرفة الأخرى.
فإذا قصدنا المعنى الأول فتكون مرجعية أهل البيت(عليهم السلام) إلى جانب المعارف والمصادر الأخرى بعنوان أنها مصدر للمعرفة كغيرهم, فلا يكون عندئذ لهم شأن متحيز عن غيرهم ويكون قولهم كقول غيرهم,وعند الاختلاف في الرأي فيكون ما نتج عنهم من آراء هي في قبال الآراء الأخرى لا أكثر من ذلك ولا أقل.
أما على المعنى الثاني يكون أهل البيت(عليهم السلام) هم المرجع الوحيد إلى جانب القرآن لمعرفة الحقائق ولحل المشكلات والشبهات, وعند التعارض مع الآراء الأخرى يكون رأيهم هو الأرجح وهو المقدَّم والآراء الأخرى المعارضة باطلة.
الرأي المختار عند الإمامبة:
ما تعتقده الإمامية هو الرأي الثاني وذلك بأنهم المرجع الوحيد إلى جانب القرآن بعد رسول الله(صلى الله عليه وآله) وأن كل ما يصدر عنهم من قول وفعل حجة بلا معارض, ولا يخفى أن المراد بأهل البيت هم المعصومون الأربعة عشر(عليهم السلام).
يقول العلامة العسكري: ( أهل البيت اصطلاح إسلامي يُراد منه الأربع عشر معصوماً وهم النبي(صلى الله عليه وآله) والزهراء(عليها السلام) والأئمة الاثني عشر(عليهم السلام) وهذا ما قصدته الآية القرآنية 33 من سورة الأحزاب:{ إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا}).
فالمراد من الآية هم محمد(صلى الله عليه وآله) وعلي وفاطمة والحسن والحسين(عليهم السلام), وأما شمول الآية لباقي العترة فلها دليلها الخاص.
إن الأئمة(عليهم السلام) عدل القرآن بمقتضى الروايات الواردة عن النبي(صلى الله عليه وآله), فهم المرجع الوحيد للمسلمين مع القرآن يرجع إليهم في أمور الدين من بيان الأحكام الشرعية , تفسير القرآن, رد الشبهات وغيرها, وأن رأيهم هو الصواب وكلامهم هو الحق, ولا يوجد هناك حق إلا ما صدر عنهم , يقول النبي(صلى الله عليه وآله) كما يذكر ابن حجر في كتابه الصواعق المحرقة في بيان مكانة أهل البيت(عليهم السلام):(لا تقدموهما فتهلكوا ولا تقصروا عنهما فتهلكوا ولا تعلموهم فإنهم أعلم منكم).
أكتفي بهذا المقدار على أن نتابع الكلام في العدد اللاحق, ووفقنا الله والجميع إلى كل خير وصلاح وسداد,إنه ولي التوفيق.
عبير شرارة – لبنان