أخواتي الكريمات… لقد بدأنا حديثنا في العدد السابق حول مرجعية أهل البيت ( العلمية وبحول الله تعالى سوف نتابع هذا البحث سائلة المولى القبول:
في هذا المقام يجدر بنا أن نطرح السؤال التالي: هل إن المرجعية العلمية لأهل البيت ( هي مورد اتفاق المسلمين؟
إننا ومن خلال ما ذكرناه سابقاً في تعريف معنى المرجعية العلمية لهم ( أدركنا أنه ليس عامة المسلمين يقولون بمرجعيتهم ( بمعنى أنهم عِدل القرآن الكريم وأن قولهم هو الفصل فالمسلمون على طائفتين طائفة ترى أنهم علماء كباقي علماء الأمة، لهم رأيهم كما لغيرهم. وهم كغيرهم قد يخطئوون وقد يصيبون وهذا قول أهل السنة والجماعة. وطائفة اخرى ترى أن قولهم فصل وحكمهم عدل وأنهم عدل القرآن الكريم لا يفارقهم ولا يفارقونه وهم أتباع مدرسة أهل البيت (.
إن أبناء العامة من الصحابة وغيرهم من المسلمين قد أقروا بالمنزلة العلمية لأهل البيت ( وبمدى نفقّههم في الدين وعلمهم الواسع وهذا ما نجده في كتب المحدثين والمؤرّخين ومن هذه الروايات: ما ذكره ابن حجر: (أخرج البزاز والطبراني… قال رسول الله 9 أنا مدينة العلم وعلي بابها ـ وفي رواية فمن أراد العلم فليأت الباب ـ وفي ورواية ـ أنا دار الحكمة وعلي بابها)[1].
عن أبي هريرة قال: قال عمر بن الخطاب: علي أقضانا[2].
ـ ذكر أيضاً تحت عنوان “في فضائل أهل البيت النبوي”: (في كل خلف من أمتي عدول من أهل بيت ينفون عن هذا الدين تحريف الضالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين ألا وإن أئمتكم وفدكم إلى الله عزوجل فانظروا في توفدون)[3]
وغيرها من الروايات التي يعتقد أنها تظهر شأن الأئمة ومكانتهم العلمية ولكن لا يعني أنهم المرجع الوحيد للأمة الاسلامية بل هم علماء إلى جانب بقية العلماء. ليس لهم ميزة تجعلهم أعلم من غيرهم.
وها هو سليم البشري الذي ناظره العلامة السيد شرف الدين (رض) يبين رجوع الناس عن الأئمة ( حيث يقول ذلك السني بعد إيمانه بالآيات الواردة في علي D وأهل البيت:
(فما ندري لماذا عدل أهل القبلة عن أئمة أهل البيت فلم يتعبّدوا بمذاهبهم في شيء في الأصول والفروع ولا وقفوا في المسائل الخلافية عند قولهم ولا كان علماء الأمة يبحثون عن رأيهم بل كانوا يعارضون في المسائل النظرية ولا يبالون بمخالفتهم وما برح عوام الأمة خلفاً عن سلف يرجعون في الدين إلى غير أهل البيت بلا نكير)[4].
ولنتأمل ما ذكره الفضل بن روزبهان ـ من علماء الأشاعرة الصوفيين ـ حو الحديث: أنا مدينة العلم وعلي بابها حيث يقول: (هذا يدل على وفور علمه ـ يقصد علي D ـ واستحضار أجوبة الوقائع واطلاعه على شتان العلوم… ولا دليل على النص حيث لا يجب أن يكون الأعلم خليفة بل الأحفظ للحوزة والأصلح للأمة)[5].
ويقول في موضع آخر: (لا شك أنه ـ علي D ـ من علماء الأمة والناس محتاجون إليه فيه وكيف لا وهو وصي النبي في إبلاغ العلم)[6].
فهو في هذا الكلام إما أن يكون مراده (من علماء الأمة) بمعنى أن في الأمة من يساويه في العلم فهذا لا يجتمع مع كونه وصي النبي في إبلاغ العلم وإن كان مراده من (علماء الأمة) لا يساويه غيره فقد اعترف بأعلمية الإمام وهو المطلوب.[7]
وفي الواقع فإن الفقهاء كلهم يرجعون إلى علي D، أما الشيعة فهو أمر واضح ظاهر، وأما الحنفية فإنهم أخذوا عن أبي حنيفة وهو تلميذ الإمام الصادق (ع)، وأما الشافعية فقد أخذوا عن محمد بن ادريس الشافعي وهو قرأ على يد محمد بن الحسن تلميذ أبي حنيفة وعلى يد مالك فرجع فقهه إليها. وأما الحنابلة فقد أخذوا عن ابن حنبل الذي تتلمذ على يد الشافعي فرجع فقهه إليه. وأما مالك فقد تتلمذ على يد ربيعة وهو تلميذ عكرمة وهو تلميذ عبد الله بن عباس وهو تلميذ علي D.
وهؤلاء الأئمة الأربعة وإن كانوا أخذوا علومهم من الإمام D وكانوا يرجعون إليهم ( ولكنهم كانوا يخالفونهم أيضاً في أمور هامة وأحكام كثيرة واستحسنوا بآرائهم وقاسوها بمقاييسهم. فأين هؤلاء ومن عنده علم الكتاب، وباب مدينة رسول الله. ومن قال سلوني قبل أن تفقدوني سلوني عن كتاب الله عزوجل فما من آية إلا وأعلم حيث نزلت بحضيض جبل أم سهل أرض.
وآخر ما نذكره من شاهد على مساواة أهل البيت ( في الأعلمية مع غيرهم ولا أقل من عدم أعلميتهم على غيرهم ما ذكره التفتازاني أثناء ذكره لأحداث حرب الجمل حيث قال:
(فإن قيل: لا كلام في أن علياً أعلم وأفضل وفي باب الاجتهاد أكمل، لكن من أين لكم أن اجتهاده في هذه المسألة ـ الاقتصاص من قتلة عثمان ـ وحكمه بعدم القصاص من الباغجي أو باشتراط زوال ؟؟؟؟ صواب، واجتهاد القائلين بالوجوب خطأ ليصح له مقاتلتهم)[8].
فهذا الكلام واضح الدلالة على أن علياً D وليس معصوماً قد يخطئ وقد يصيب فإذا مثله كمثل بقية الفقهاء ولا مرجعية خاصة له إذاً الأئمة ( يجتهدون يصيبون ويخطئوون وبالتالي فإن أصابوا فلهم أجر وإن أخطئووا لهم أجر.
أما اتباع مدرسة أهل البيت ( فإنهم لا يرون بُدّاً من اتّباعهم ( واقتفاء آثارهم والسير على نهجهم لأن النجاة من الضلال والزيغ والهلاك منوطة باتّباعهم وإن مجرد الانحراف عن خطّهم ونهجهم فهو عين الضلالة والغواية، فهم يتمثلون قول رسول الله 9: (لا تقدموها فتهلكوا ولا تقصروا عنهما فتهلكوا ولا تعلموهم فإنهم أعلم منكم).
تتمة الكلام يأتي لاحقاً.
عبير شرارة – لبنان
[1] . ابن حجر الهيثمي، الصواعق المحرقة، الباب التاسع، ص 122.
[2] . المصدر السابق، ص 126.
[3] . المصدر السابق، ص 105.
[4] . المراجعات، عبد الحسين شرف الدين، المراجعة 17.
[5] . دلائل الصدق، الشيخ المظفر، ج 6، ص 171.
[6] . المصدر السابق، ص 119.
[7] . المصدر السابق، ص 351.
[8] . شرح المقاصد، سعد الدين التفتازاني، ج 5، ص 308.