الله خالق كل شيء”[1]“تبارك الله رب العالمين”[2]“الذي أحسن كل شيء خلقه”[3]..
الله تعالى خالق الكون بكل ذراته، أوجده بهدف: هو تجلّي لعظمته سبحانه، لقدرته، لعلمه، لرحمته، لعدله، للخير..
لكن هناك من يزعم أن في الكون شر مصدره الله تعالى، وهذا يناقض الخير المطلق، إذ لا يجتمعان فإن وجد الخير المطلق عُدم الشر، وكذا العكس صحيح. شبهة طرحت بالأمس واليوم و ربما الغد، شبهة نبحث لها عن جواب، أجاب الفلاسفة والمتكلمون، ولكن الجواب لا يتيسر فهمه لعموم الناس. الشبهة حكاية عن سيل أو زلزال أو… ضرب بلد، قتل، شرّد، قطّع أوصال والحصيلة أيتام بلا مأوى لهم، رضّع يموتون بسبب ما خلفته الكارثة من تلوّث، وهذا السيل أو الإعصار أو … كان ولا زال يحكي عن شجون وآهات وفي عامنا هذا عام 2010م بلغت الكوارث أوجها .. شرع بزلزال في هاييتي ثم أعقبه سيل في الباكستان وبعده تفشي مرض الكوليرا في هاييتي و كأن الذي كان قليل.. وقريباً بركان في أندونيسيا.. و أشدّها هو سيل الباكستان وعن بعض تفاصيله جاء في الأنترنت “أظهرت خارطة وزعتها وكالة الأنباء الألمانية أن المنازل المدمرة كلياً في البنجاب وحدها بلغت 84 ألفاً و 176منزلاً، في حين تأثر ثمانية ملايين شخص في نفس الإقليم. وفي إقليم (خيبربختون خوا) شمال غرب البلاد، فقد دمر 172ألفاً و 433منزلاً تدميراً كلياً، في حين تضرر أربعة ملايين و 725 ألفاً و 695 شخصاً و أدى انهيار عشرات الجسور الواقعة على مجرى نهر سوات إلى عزل القرى و نقطاع الإمدادات عنها”[4] وهذه إحصائية أولية ..
كل هذا هل يلائم عدله تعالى وخيره المطلق؟
الجواب:
الجواب واسع فقد أشبعه العلماء إلّا أننا نكتفي بأربعة نقاط هي:
- الدنيا دار فناء و الآخرة دار بقاء.
أوجد الله تعالى الأرض ليُسكن مخلوقه المكرم فيها.. مخلوقه الذي منحه جسد هو مزيج من ماء وتراب، اختطفه من أديم الأرض، مادة فحسب شأنها شأن المادة الفانية لامحالة ثم وهبه روحاً هي نفخة من روحه تعالى، وهبها تعالى له ليستحق بسموها سجود الملائكة “فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين”[5].. استودعها أمانة الاستخلاف، هداها بالفطرة والعقل والأنبياء، هي باقية ببقاء الحياة الأبدية خالدة فيها، راجعة إلى ربها إما راضية مرضية مطمئنة، أو مثقلة كاهلها بذنوب يعجز الجبل عن حملها. إذن تبيّن بأن الإنسان مخلوق ذو بعدين روح و مادة، المادة لباس الدنيا الزائلة لا محالة، وسيلة للمرور من مضيق الحياة، مادة شأنها الإشباع تتزاحم لتشبع شهوة لحظة طغيانها لشغفها بذات مصيرها التراب والزوال. ثوب لبس لغرض ولابد من خلعه بانتهاء الغرض.. أمّا الروح التي هي نفخة الرحمن فمن الله وفي الله وإلى الله ولا همّ لها سواه تعالى.. نفخة الخير النورانية التي بقيت شعلة توهجها ضاوية مضيئة ولم تطفأها وتحيلها ظلمة .
تلك الروح السامية مستعدة دوماً للرحيل راضية بقضاء الله وقدره ترى في موتها قمة العدل الإلهي الذي يرجعها إليه تعالى في جنات النعيم و رضوان من الله أكبر: “الذين تتوفاهم الملائكة طيبين يقولون سلام عليكم أدخلوا الجنة بما كنتم تعملون”[6]. إذن الموت لا يتعارض والعدل الإلهي بل هوالعدل والخير لأنه انتقال من حياة فانية إلى آخرة باقية، نعيم مقيم، حياة حقيقية لمن حمل الأمانة ومثّل الخلافة الحقيقية عاش لله وفي الله و رجع إلى الله تعالى.
- الدنيا دار امتحان وآلام، والآخرة دار هناء و سعادة.
ولكن الكوارث الطبيعية لا تقتصر على الموت ولو كان الأمر هكذا لهان بل إن السؤال يكمن في مابعد الكارثة بغض النظر عن الموت. مشردون بلا مأوى، أيتام بلا أب يحميهم ويرزقهم ولا حضن يضمهم وقلب يشبعهم حباً وعطفاً. إعاقات جسدية وآهات روحية لا مسكّن لأنينها، دمار، جرف الزرع والخير والمأوى.. امتحان يتضاعف الأجر بتضاعف شدته، يرتقي الصابرون إلى أرقى نعيم، فالله تعالى رب العدل لا ظلم في ساحة عدله وإذا ما استعرضنا البلايا لن نجد إلّا الخير. مثلاً اليتم هو فقدان الوالدين مصدر الرزق والرحمة فهو إخراج لطفل من شغاف قلب والديه و إدخاله قلب الإنسانية جمعاء، ليكون كافل اليتيم هو و محمد ـ صلى الله عليه وآله ـ نور الإله وتجليه بالرحمة كالسبابة و الوسطى، قال ـ صلى الله عليه وآله ـ : “أنا كافل اليتيم كهاتين في الجنة إذا اتقى الله عزوجل وأشار بالسبابة والوسطى”[7]، وكون أغلب العلماء أيتام أدل دليل على أن اليتيم هو الأقدر على العطاء والأقل استهلاكاً، كما أن النبتة البرية تنمو في وسط الصحراء رغم قساوة الهواء وقلة المياه، تنمو قوية صبورة أقوى عوداً من نبتة الظل الرقيقة فلم ولن يكون اليتم ظلماً أبداً. ولو كان اليتم شيئاً غير الخير لما كان حبيب الإله ورحمته يتيماً “ألم يجدك يتيماً فآوى”[8]، والدمار والخراب أوكله تعالى للإنسان الذي استعمره الأرض واستخلفه الأموال ليرى ما يصنع “آمنوا بالله ورسوله و أنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه”[9].. المال مال الله والملك له وحده والعبد مأمور بالإعمار والبناء لتغدوا الأرض أبهى.
أمّا الإعاقة التي تؤلم الروح قبل الجسد، إمتحان أصعب وكما قلنا الأجر بقدر المشقّة، الروح الراضية بقضاء الله وقدره لا تعرف شيئاً سوى الشكر رجاء القبول، ولنا في زينب المصطفى ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ مثل: “هون ما نزل بنا إنه في عين الله”، وتبقى الإعاقة هي الأشد إمتحاناً والأكثر ثواباً، المعاق الذي لا ميت فيُترحم عليه ولا هو حي فيؤمل منه.
الله تعالى منبع الخير والعدل وكما أسلفنا منح الإنسان نفحة الخيربها يحيى و بها يثاب وبها يرجع إلى ربه، والروح لا حد لقابلياتها ولكننا نجهل قدرتها لأننا لا ننظر إلّا بقرنية مادية لا تستوعب سوى حفنة من تراب.
الله تعالى منحنا بصيرة تربعت وسط روح والمؤمن ينظر بها فما عنده من الله وإلى الله، الله أعطى، الله أخذ، أخذ اليد وأعطى العقل، أخذ قرنية العين و وهب بصيرة القلب.. وما يحكيه المعاقون عن رضاهم بقدر الله تعالى، وأبداعاتهم خير دليل على عدله تعالى في تقسيم نعمه، كما يرى المفكر المطهري أن باستطاعة الإنسان تبديل البلايا إلى نعم عندما يواجهها بالصبر والشكر: “إن المصائب عندما يأخذها الإنسان على أنها نعم فهو يستفيد منها، وعندما يواجه الاضطرابات الناتجة عنها بالصبر والاستقامة فإنها تمنح روحه الكمال”[10].. اتضح بأن كل ماهو من الله خير ونعمة حتى ما نسمية مصائب وبلايا، حينما تتحول إلى نعمة الصبر والشكر وكمال الروح، ثناء وشكر لله تعالى وحده، الحمد لله الذي لا يهب إلّا خير الدنيا والآخرة .
- الكوارث الطبيعية خيرٌ كثير يستتبعه شرٌ قليل.. إذا ورد سؤال عن سبب حدوث الكوارث الطبيعية على رجال العلم جاء الجواب بأنها معلولة لأسباب..الدنيا دنيا الأسباب والكوارث معلولة لتجمّع هائل للطاقة الحرارية في طبقات الأرض يؤدي جذبها بواسطة إشعاعات الشمس أو القمر إلى خروجها إلى سطح الأرض على شكل زلزال أو بركان أو … “عندما تتراكم الطاقة الحبيسة في منطقة ما في طبقات الأرض يظهر دور الشمس والقمر من خلال موجات الجذب التي تؤثر بها على الأرض، وهو ما يسمح بتحرير الحرارة المختزلة داخل باطن الأرض على شكل زلازل وبراكين”[11]، ولولا خروج الحرارة المختزلة لزادت شدّتها وتسببت في إنفجار أعظم، فالحمد لله الذي يهب الخير الكثير” فما يوجد من الشر نادر قليل بالنسبة إلى ما يوجد من الخير وإنما وجد الشر القليل بتبع الخير الكثير”[12]، وكما أن لنفس هذه الشرور القليلة إذا ما سميناها شروراً مجازاً، فوائد كثيرة: “لهذه الشرور القليلة والنسبية والتي هي بالعرض فوائد جليلة… وكلما ازداد علم الإنسان تسعت معرفته لأسرار هذا العالم والحكمة الكامنة فيه”[13]، وإذا سئل عن سبب العلة أي علة أليست هي القدرة الإلهية؟ ألم يوجد الكون بوجوده تعالى؟ أليس وجود الكون وقيامه به وحده؟ إذن لماذا لم يمنع الله تأثيرها من البدأ حتى يمنع الشر القليل ويبقى الوجود للخير فقط؟
يطرح العلامة الطباطبائي التساؤل ويجيب في نفس الوقت، يقول (قدس سره): “لِمَ لم يجعل الله المادة والطبيعة لا مادة ولا طبيعة؟ لأن القياس والإمكان المذكور لازم لمفهوم المادة، وإذا لم يتوفر الموجود على إمكان وعدم إمكان الكمال فسوف لا يكون مادياً إذا لم يتوفر هذا العالم على سمة إمكانية تبديل كل جزء من أجزائه إلى الآخر، ومع اجتماع الشروط يصل إلى منافعه الوجودية وبدونها يضحى خالي الوفاض ومحروماً، فهو من حيث الأساس، ليس عالم مادة.
إذن إتضح: إن كل شر و فساد من حيث كونه شراً وفساداً لا بنسبة له بواجب الوجود ومن حيث نسبته إلى واجب الوجود فليس شراً وفساداً”[14]، إذن عرفنا بأن طبع المادة بما أنها مادة يستدعي بسبب الكارثة وإذا ما خليت المادة من خواصها لم تبقَ مادة..
- الإنسان مسؤول عن ازدياد الكوارث و شرورها..
إن ما تعيشه الدول من فوارق في الإمكانات وأسباب التقدم عامل في ازدياد أضرار الكوارث وتفاقمها، فلو عاشت الدول نظام السماء و طبقته كما يريده تعالى لما ازداد ضرر الكوارث.
الأرض أرض الله بلا حدود و المال مال الله، والناس عبيد الله، أرض الله لا حدود لها، والكل عبيده لا فضل لأبيض على أسود إلّا بتقواه تعالى، كلهم من آدم و آدم من تراب.. فعندما نسمع أن فلان دولة تشتري أو تصنع أسلحة تكلفها أموال طائلة، وأخرى يفتك بها الموت لسوء تغذية أو هجوم الكوليرا أو غيره، الذي يسببه الفقر و انعدام الامكانات.. فهذا لا يكون إلّا من الإنسان الذي استخلفه تعالى أرضه و ائتمنه على الرعية و يلقي عليه الحجة بتعاليم السماء و ماتريده حياة التكافل والإحسان، فلا يكون من ذلك العبد المؤتمن إلّا الخيانة، و ترجيح طاعة الشيطان على طاعته تعالى، فيكون هو وحده المسبب لآلام و آهات الملايين “ضعف المستوى التقني الذي يرفع كثيراً من عدد الضحايا في حالة وقوع الكارثة … لم يتم تصميم البنيان بكيفية تجعلها تصمد أمام عناصر الكارثة و حتى إذا كان الخطر متوقعاً فإن البلدان الفقيرة ليس لها الوسائل لإجلاء السكان المهددين.
يمكن أن نذكر في هذا المجال بأن الولايات المتحدة ـ هذا البلد الغني ـ قد أجلى حوالي مليون شخصاً بفضل وسائل ثقيلة وغالية وذلك قبل وصول إعصار أندريو الذي ضرب فلوريدا في آب 1992م. ثم إن البلدان الفقيرة لا تملك الوسائل الكافية لتقديم الإغاثة لمن بقي حيّاً”[15]، ولم يكتف الإنسان بعد مديد العون كما أراد منه تعالى، بل ساهم بصورة مباشرة في رفع نسبة الكوارث و شدّتها: “يكون من الصعب عادةً أن نفرّق بين السبب الطبيعي(الكوارث) و التأثيرات التي تزيد من الخطر المنسوبة إلى عمل الإنسان، فإذا كان الجفاف يعتبر عادة ظاهرية طبيعية يتسبب فيها انعدام الأمطار فالتصحّر و حرائق الغابات التي يمكن أن تنجم عنه يتم إثارتها من طرف الإنسان، و كذلك أيضاً إذا كان مفعول الامتصاص الجوي ظاهرة طبيعية بحتة فإن تزايدها الحالي يرتبط لاشك بالأنشطة البشرية”[16]..
فلا حول ولا قوة إلّا بالله رب العدل والخير والرحمة …
ماجدة سلمان حيدر ـ العراق
[1] طه آية 1
[2] الأعراف آية 54
[3] السجدة آية 7
[5] البقرة آية 30
[6] النحل آية 32
[7] ميزان الحكمة ، العلامة محمد الريشهري، الجزء الثامن طـ قم ص 3709 الحديث 22881
[8] الضحى آية 6
[9] الحديد آية 7
[10] العدل الإلهي، المفكر مرتضى مطهري، ترجمة محمد عبد المنعم الخاقاني، طـ 5 ص 199
[11] www.wikipedia.com
[12] الميزان، العلامة الطباطبائي، جـ 13 ص 188
[13] تعليم الفلسفة، العلامة محمد تقي مصباح يزدي، الجزء الثاني ص 491
[14] اصول الفلسفة والمنهج الواقعي، العلامة الطباطبائي ، المجلد الثالث، ترجمة عمار أبو رغيق، ص 437
[15] موسوعة القرن الجزء الأول، الدار المتوسطية للنشر، ص 71
[16] موسوعة القرن ، الجزءالأول ص 71