عزيزي ، أن تحصيل الكمال وزاد الآخرة يستدعي طلبا وجدا ، وكلما كان المطلوب أعظم فهو أحرى بالجدّ .
ومن الواضح أن معراج القرب إلى حضرة الألوهية ، ومقام جوار رب العزة ، لا يتيسر مع هذه الرخوة والفتور والتسامح ، فيلزمك القيام الرجولي حتى تصل إلى المطلوب ، وطالما أنك تؤمن بالآخرة وتعلم بأن النشأة الآخرة لا يمكن أن تقاس بهذه النشأة من حيث السعادة والكمال ولا في جانب الشقاوة والوبال .
لأن تلك النشأة عالم أبدي دائم لا موت فيه ولا فناء له سعيدة في راحة وعزة ونعمة أبدية وهي راحة لا يوجد لها شبيه في هذا العالم ، وعزة وسلطنة الاهيان ليس لهما نظير في هذه النشأة ، و نِعَمُ ما خطرت على مخيِّلة أحد وكذلك الأمر في جانب الشقاوة فإن عذابها ونقمتها ووبالها ليس لها في هذا العالم مثيل ولا نظير ، وتعلم أن طريق الوصول إلى السعادة إنما هو إطاعة رب العزة ، وليس في العبادات ما يضاهي هذه الصلاة فإنها معجون جامع إلهي يتكفل بسعادة البشر ( وان قبلت قبلت جميع الأعمال ) فلا بدّ لك من الجدّ التام في طلبها ولا تتضايق في السعي إليها ومن تحمل المشاق في سبيلها مع أنه ليس فيها مشقة بل انك إذا واظبت عليها مدة يسيرة ، وحصل لقلبك الأنس بها لتجدنَّ في هذا العالم من
{ 43 }
المناجاة مع الحق تعالى شأنه لَذّات لا يقاس بها لذّة من لذّات هذا العالم كما يظهر ذلك من السير في أحوال أهل المناجاة مع الله سبحانه .
وبالجملة فخلاصة ما ذكرنا في هذا الفصل ، أنه إذا علم الإنسان بالبرهان أو ببيان الأنبياء عليهم السلام عظمة الله وجماله وجلاله ، فلا بدّ إن يذكِّر القلب بها حتى يدخل الخشوع شيئا فشيئا في القلب بواسطة التذكُّر والتوجه القلبي والمداومة على ذكر عظمة الله وجلاله حتى تحصل النتيجة المطلوبة . ولا بد للسالك ألاّ يقنع في حال من الحالات بالمقام الذي هو فيه ، فإنه مهما حصلت المقامات لأمثالنا فلا تساوي اصغر نقد في سوق أهل المعرفة ، ولا تقابل في سوم أصحاب القلوب حبة خردل .
فليتذكر السالك في جميع حالاته نقائصه ومعايبه ، فعلّه ينفتح له طريق إلى السعادة من هذه السبيل والحمد لله .