(القسم الثالث)
تمرّ الليالي والأيام ونحن مجتمعون على حب محمد وآل محمد. أهل بيت النبوة الذين عصمهم الله تعالى وطهّرهم وأذهب عنهم الرجس …
نلتقي في هذا العدد الجديد من هذا البحث, مجددين العهد والولاء لهم صلوات الله عليهم, متعرضين لذكرهم وبيان مرجعيتهم العلميّة المؤيَّدة من الإله الواحد جل وعلا ومسدَّدة برسوله|. ماسوف نتعرض له في هذا العدد بيان بعض الصعوبات التي واجهت أئمة أهل البيت أثناء القيام بدورهم…
يعتقد أتباع مذهب أهل البيت أن الإمام شخص منصوب من قبل الله تعالى ومنصوص عليه وأن هذه المسألة (الإمامة) لا يمكن أن تكون باختيار الناس سواء كانوا من أهل الحل والعقد أم غيرهم وهذا بحث طويل لسنا في صدد إثباته الآن . ولكن ماهو جدير بالذكر أن الإمام إمام سواء اختاره الناس أم لا, سواء بايعوه أم لا. وهذا ما أوضحه الإمام علي “ع” لمّا جاءه رجل وقال له: إن الناس قد عزلوك عن الخلافة وذلك على إثر واقعة التحكيم التي قام أبو موسى الأشعري بعزل الإمام علي “ع” وكأن هذا الرجل أراد أن يشعر الإمام أنه لم يعد إماماً, فأجابه الإمام “ع” بما مضمونه: أليست الكعبة بيت الله الذي يقصده الناس في كل عام فإذا أعرض الناس عنها أيزول عنها أنها بيت الله والمحجوج, قال: لا, قال: كذلك الإمام.
فالإمام سواء قبله الناس أم لم يقبله يبقى إماماً ولذلك نجد أن الأئمة لم يتولوا منصبهم الذي اختاره الله لهم ماعدا الإمام علي”ع” الذي كان رابع الخلفاء بعد رسول الله “ص” لا أولهم.
ومن هنا نقول أن هناك صعوبات واجهها الإمام علي”ع” بشكل خاص وباقي الأئمة بشكل عام والتي كان لها الدور في إعاقة عمل الإمام”ع” وبيان الحقائق وإرشاد الناس وتوجيههم. من هذه العوامل:
- تحريف السنة النبوية: فإننا نعلم أن المصدرين الأساسيين للدين الإسلامي هما القرآن الكريم والسنة النبوية, وقد تعهد الباري تعالى بحفظ القرآن الكريم إذ قال عز من قائل: { إنّا نحنُ نزلنا الذكرَ وإنّا له لحافظون } ولكن السنة النبوية التي من شأنها بيان القرآن الكريم ومقاصده قد تعرضت للتحريف, فكانت المسؤولية الكبرى التي وقعت على عاتق أهل البيت في حفظ هذه السنة من الاندثار والضياع. فالإسلام بمثابة السفينة السائرة في بحر من الأمواج العاتية فإذا لم يكن قائد هذه السفينة ماهراً, فإنه لا محالة من غرق السفينة وهلاک أهلها وأما إذا كان قائد هذه السفينة آل محمد فإنها لن تغرق وذلك بسبب وجود قادة على مهارات عالية وتأييد ربّاني كبير ورعاية إلهية خفية ألا وهم آل محمد”ص” الذين مثلهم مثل سفينة نوح في زمانها.
لقد أكد النبي| على كتابة الأحاديث وحفظها في الصدور أيضاً وحذّر| قائلاً: “يوشك أحدكم أن يكذبني وهو متكئ على أريكته يحدث بحديثي فيقول بيننا وبينكم كتاب الله فما وجدنا فيه من حلال استحللناه وما وجدنا فيه من حرام حرمناه. ألا وإن ما حرم رسول الله مثل ماحرم الله “[1].
وإن الباحث في التاريخ يجد أن هناك مخالفات لأوامر الرسول”ص” قد حصلت في زمنه كانت هذه بداية لانحراف الإسلام بكامله عن مساره الطبيعي.
هناک من منع تدوين أحاديث رسول الله “ص”, وهناك من أمر بإحراق بعض الروايات قائلين حسبنا كتاب الله, بل وأصدرت الرخصة من بعضهم باصطناع ووضع بعض الأحاديث تحت إشراف السلطة الحاكمة والغرض من هذه الأحاديث هو إنزال علي “ع” عن مكانته ورفع غيره فوق مايستحق ليتساوى علي ×مع غيره. ولا ننسى العبارة المشهورة لأمير المؤمنين”ع” الذي قال: أنزلني الدهر وأنزلني وأنزلني حتى صار يقال علي وفلان.
نعم إن النظام الحاكم آنذاك وقف في وجه نشر أحاديث رسول الله “ص” ولكن بقيت بعض الأحاديث وضّاءة مشرقة كحديث الثقلين الذي أمر به “ص” بالتمسك بالقرآن والعترة والتي وردت في بعض روايات أهل السنة أن الثقلين هما القرآن والسنة.
ومع التسليم بهذا فالمرجع هم الأئمة لأنهم حفظة السنة النبوية وبالأخص الإمام علي”ع” الذي علّمه رسول الله “ص” ألف باب يفتح له من كل باب ألف باب.
- الطعن بشخصية الرسول الأكرم “ص”: فقد نسب إليه “ص” جهله بالأمور الدنيوية, وكتب العامة ممتلئة بالرواية التي تشير إلى أن قوماً عندهم أشجار نخل, وقد كانوا يؤبِّرونها, أي يقومون بعملية التلقيح فيها فرآهم النبي “ص” وهم على هذا الحال فقال لهم: ((الأفضل أن لا تقوموا بهذا العمل فإن إنتاج التمر سيكون افضل)) ثم تركوا التأبير وإذا باليوم الثاني قد فسدت تلك الأشجار فعاتبوا النبي”ص” على ما قاله لهم فأجابهم”ص”: ((أنتم أعلم في أمور دنياكم ))[2] وإن الذين رووا هذا الحديث أرادوا منه بيان أن السنة النبوية ليست كلها وحي من الله, وأن الأحاديث التي وردت في امتثال أمر النبي”ص” إنما هو خاص بما قاله شرعاً دون ما ذكره من معاش الدنيا. وغيرها من الروايات الأخرى التي يرفضها عقل كل إنسان يعتقد بعصمة النبي حتى في مثل هذه الأمور!!
- حضور علماء أهل الكتاب: من اليهود والنصارى الذين اندسوا بين صفوف المسلمين وكانت لهم الأخبار المجعولة والكاذبة أمثال تميم الداري, الذي أجاز له الخليفة الثاني أن يصعد المنابر ويقصّ خرافاته بين المسلمين, فكان يحضر قبل صلاة الجمعة إلى المسجد وأصبح خطيباً فيه. وكذلك كعب الأحبار, الذي قال إن الكعبة في كل صباح يوم تسجد لبيت المقدس ثم جاء رجل إلی الإمام الباقر “ع” قائلاً إن هذه الرواية صحيحة. فقال له الإمام: أنت كاذب وكعب كاذب أيضاً.
وغيرها من العوامل الأخرى التي يتعذر علينا ذكرها احترازاً من الإطالة.
وهنا يقول العلاّمة العسكري: بأننا يمكن لنا القول أن الإمامة كالسفينة في ذلك البحر الهائج والأمواج العاتية, ولكنها ربطت بسلسلة بشاطئ البحر وهذه السلسلة مكونة من اثني عشر حلقة مترابطة فيما بينها, ومع انفلات هذه السلسلة فإن السفينة ستغرق لا محالة, نعم… إنهم الأئمة الذين لولاهم ما قامت للإسلام قائمة ((ألا فمن ركب سفينتهم نجى ومن تخلف عنها غرق)).
وسوف نتعرض بعون الله في العدد القادم لبيان أن أهل البيت هم المرجع الوحيد للأمة بعد النبي”ص”.
السلام عليكم يا أهل بيت النبوة… أشهد أنكم جاهدتم في الله حق جهاده حتى أعلنتم دعوته وبينتم فرائضه وأقمتم حدوده ونشرتم شرائع أحكامه وسننتم سنته وصرتم في ذلك منه إلى الرضا.
نلتقي وإياكم في المستقبل بعون الله تعالى.
عبير شرارة – لبنان
[1] – العلاّمة العسكري, دور الأئمة في إحياء الدين, ج1 ,ص113 .
2- وردت هذه الرواية في صحيح مسلم بشرح النووي في كتاب الفضائل صفحة 185, وقد كانت هذه الرواية مورد بحث في رسالة الدكتوراه لأحد الطلاب بإشراف الدكتور عبد المهدي عبد الهادي أستاذ الحديث في كلية أصول الدين في القاهرة . كما ذكر هذه الرواية ابن خلدون في تاريخه , الجزء الثاني , الصفحة 54 .