سأل رجل رسول الله “ص” عن الله سبحانه وتعالى, أهو قريب ليناجيه بصوت خفي, أم بعيد ليدعوه بصوت مرتفع؟ فأنزل الله سبحانه وتعالى هذه الآية: { وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلّهم يرشدون}[1] . ويلفت النظر في الآية أن الله سبحانه أشار إلى ذاته المقدّسة 7 مرات وأشار إلى عباده 7 مجسداً بذلك غاية لطفه وقربه وارتباطه بعباده[2] .
وقد أشار العلاّمة الطباطبائي في تفسير الميزان إلى عدة نقاط مهمة جاءت في ذيل هذه الآية منها: إن الله سبحانه وتعالى يقول (عبادي) يعني إضافة العباد إلى الله ولم يقل الناس, دلالة على كمال العناية الإلهية.
ثم حذف الواسطة في الجواب فقال : (فإني قريب) ولم يقل فقل إنه قريب بعدما كانت الآية تخاطب النبي”ص” {إذا سألك} .
و (إنّي) هنا تفيد التأكيد أي التأكيد عن القرب والإجابة.
ثم الدلالة على تجدد الإجابة واستمرارها حيث أتى بالفعل المضارع الدال عليها وتعليق الأجابة وتقييدها على صفة الداعي (إذا دعانِ) أي ما دام الداعي بتلك الصفة فالإستجابة محققة.
وقوله تعالى :{ أجيب دعوة الداع إذا دعانِ } كما يشتمل على الحكم يعني إجابة الدعاء كذلك يشتمل على علله, فكون الداعين عباد الله تعالى هو الموجب لقربه منهم, وقربه منهم هو الموجب لإجابته المطلقة لدعائهم, وإطلاق الإجابة يستلزم إطلاق الدعاء, فكل دعاء دُعِيَ به فإنه مُجِيبه إلا أن ها هنا أمراً وهو أنه تعالى قيد قوله إذا دعانِ فإن قولنا أكرم العالم إذا كان عالماً يدل على لزوم اتصافه بما يقتضيه حقيقةً, فالعالم إذا تحقق بعلمه, وعمل بما عَلِم كان هو الذي يجب إكرامه.
فقوله تعالى {إذا دعانِ} يدل على أن وعد الإجابة المطلقة إنما هو إذا كان الداعي داعياً بحسب الحقيقة مواطئاً لسانه قلبه.
فالدعاء الحقيقي من الله سبحانه وتعالى لا يتخطى الإجابة فما لا يُستجاب من الدعاء يكون فقد أحد الأمرين:
- إما أن يكون لم يتحقق هناك دعاء وإنما التبس الأمر على الداعي التباساً, كأن يدعو الإنسان فيسأل مالا يكون وهو جاهل بذلك, أو ما لا يريده لو انكشف عليه حقيقة الأمر.
- وإما أن الدعاء متحقق لكن لا من الله وحده كمن يسأل الله حاجة من حوائجه وقلبه متعلق بالأسباب العادية فلم يخلص الدعاء لله سبحانه فلم يسأل الله بالحقيقة, فإن الله الذي يجيب الدعاء هو الله لا شريك له.
فهاتان الطائفتان من الدعاة السائلين لم يُخلصوا الدعاء بالقلب وإن أخلصوه بلسانهم[3] وقد وضحت الروايات عن المعصومين مضمون هذه الآية وأكّدتها وقسمت الدعاء إلى عدّة أركان منها:
- أن يُوجِدَ الإنسان في قلبه تلك الرابطة بينه وبين الله, أي يكون قلبه متصلاً بالله ولا يشتغل بشيء آخرَ, عن الإمام الصادق”ع”: ( مَن أُعطي الدعاء أُعطِيَ الإجابة ).
- العبودية: أي أن يتصف الداعي بالعبودية والخضوع والتذلل إلى الله, فالهدف من الدعاء هو التضرع إلى الله تعالى, وطلب الحاجة منه والتواضع إليه والابتعاد عن الاستكبار والاستعلاء, فينبغي للمؤمن أن تكون لديه حالة التجاء إليه تبارك وتعالى كالطفل الذي لا يرى ملجأ للحنان والرعاية سوى أمه, ألسنا نقرأ في دعاء كميل >من لي غيرك أسأله كشف ضُرّي<.
- الاعتقاد بالقدرة الإلهية: أي أن الله وحده يحقق الأسباب وهو القادر على كل شيء ففي عدّة الداعي عن النبي | قال: قال الله: > مامن مخلوق يعتصم بمخلوق دوني إلا قطعت أسباب السماوات وأسباب الأرض من دونه فإن سألني لم أعطه وإن دعاني لم أجبه, وما من مخلوق يعتصم بي دون خلقي إلا ضمنت السماوات والأرض رزقه فإن دعاني أجبته وإن سألني أعطيته وإن استغفرني غفرت له<.
- الإخلاص: وذلك من خلال الانقطاع التام إلى الله تعالى النابع من أعماق القلب { أمّن يُجيبُ المُضطرَ إذا دَعاهُ ويشكف السوء}.
تقول إحدى الروايات أن شخصاً سأل النبي “ص” أن يعلمه الإسم الأعظم فقال له النبي”ص”: >اقطع قلبك عن غير الله وقل يا الله تحصل على ما أردت< يعني يصل الإنسان إلى الحالة التي وصفها القرآن { قُل الله ثم ذرهم}.
- رعاية الأدب مع الله: وذلك بذكر الأسماء التي تمجد الله سبحانه وتعالى لأنها تقرب العبد من حقيقة الدعاء, عن الإمام الصادق “ع” : ( تبدأ فتحمد الله وتمجّده, وتذكر نعمه عليك فتشكوه ثم تصلي على محمد وآله ثم تذكر ذنوبك فَتُقِرُ بها, ثم تستغفر منها فعنده جهة الدعاء) .
إذن فإن الدعاء ذريعة للحديث مع ربّ العالمين والأنس به وهو يفتح باب اللقاء معه عزّ وجلّ ولكن هل يمكن أن ينطبق علينا هذا القول؟ فيجب على المؤمن عندما يكون في حالة أن يستشعر بأنه يلجأ إلى الله سبحانه وتعالى مما يُحيي في النفوس الأمل والرجاء. لأن الدعاء يفقد روحه وأثره عندما تُسلب من الإنسان حالة التوجه إلى الدعاء ويفقد النشاط والرغبة في مواسم الدعاء, ولكن من الممكن علاج حالة الإدبار هذه بالتوسل إلى الله والإلحاح عليه بأن يرزقنا حالة الإقبال والنشاط في الدعاء.
فعلينا أن لا نتخلى عن أفضل سلاح عندنا وهو الدعاء, هذا الحبل الممدود بيننا وبين الله, وأن ندرك حقيقته وفضله وآثاره لأنه من أدرك ذلك فقد أدرك حقيقة العبادة لأن الدعاء مخ العبادة.
[1] البقرة : 186 .
[2] الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل ,ج1,ص528 .
[3] الميزان في تفسير القرآن ,ج2 ,ص31 .
أم فاطمة – الجزائر