يقول الله سبحانه وتعالى في محكم كتابه الكريم: “ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها و جعل بينكم مودة و رحمة إنّ في ذلك لآيات لقومٍ يتفكرون”[1]..
هذه الآية من سورة الروم تتحدث عن واحدة من أهم فعاليات الحياة البشرية وهي الزواج الذي رسمه النص القرآني على أنه آية من آيات الله تعالى و أنّ الرابطة التي أرادها أن تكون حاضنة لهذا الزواج تشكّلت من مكونين أساسين، هما المودة والرحمة.
ولكن قليلاً ما يتذكر الناس يد الله التي خلقت لهم من أنفسهم أزواجاً و أودعت نفوسهم هذه العواطف و المشاعر و جعلت في تلك الرابطة سكناً للنفس و راحة للجسم و القلب و إستقراراً للحياة و أنساً للأرواح و الضمائر و اطمئناناً للرجل والمرأة على السواء و التعبير القرآني اللطيف يصوّر هذه العلاقة تصويراً موجباً معبراً و كأنما يلتقط الصورة من أعماق القلب “لتسكنوا إليها” فندرك بذلك حكمة الخالق في خلق كل من الجنسين على نحو يجعله موافقاً للآخر ملبياً لحاجته الفطرية نفسيةً كانت أو عقلية و جسدية بحيث يجد عنده الراحة والطمأنينة و الإستقرار و يجدان في اجتماعهما السكن و الاكتفاء و المودة والرحمة لأن تركيبهما النفسي و العصبي والعضوي ملحوظ فيه تلبية رغبات كل منهما في الآخر و إئتلافهما و إمتزاجهما في النهاية.
يقول العلامة الطباطبائي في تفسير هذه الآية: “أي خلق لأجلكم أو لنفعكم من جنسكم قرائن و ذلك أن كلّاً من الرجل والمرأة ناقص في نفسه مفتقر إلى الآخر و يحصل من المجموع واحد تام له. ولهذا النقص و الافتقار يتحرك الواحد منهما إلى الآخر حتى إذا اتصل به سكن إليه لأن كل ناقص مشتاق إلى كماله و كل مفتقر مائل إلى ما يزيل فقره وهذا هو الشبق المودع في كل من هذين القرينين”[2].
إذن جعل القرآن الهدف من الزواج الاطمئنان و السكن، و حيث إنّ استمرار العلاقة بين الزوجين خاصة وبين الناس عامة يحتاج إلى جذب قلبي و روحاني فإن الآية تعقب على ذلك مضيفة “وجعل بينكم مودة و رحمة” ولمزيد من التأكيد تختم الآية بالقول “إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون”.
و الكلمات الربّانية البليغة تقول “جعل بينكم” و لم تقل جعل لكم وهذا يعني أن المسألة تبادلية أي يتبادلها الزوج والزوجة ولا يمكن أن تكون من طرف واحد.
و من أسماء الله الحسنى الودود و هو الرحمن و هو الرحيم، إذن هما من بعض صفاته سبحانه و تعالى و لذلك لا حدود لمعاني المودة و الرحمة و هما شيء يفوق الحب بكثير.. و الفرق بين المودة والرحمة هو أن المودة هي الباعثة على الارتباط في بداية الأمر بين الزوجين ولكن حين يضعف أحد الزوجين تأخذ الرحمة مكان المودة، فالمودة غالباً ما يكون فيها تقابل بين الطرفين فهي بمثابة الفعل و رد الفعل، غير أن الرحمة قد تكون من جانب واحد، نابعة من إيثارٍ و عطف ولا يلزم فيها المقابلة بين الطرفين[3] .
فالمودة مطلوبة في السراء و الرحمة في الضراء و هذه هي حكمة اجتماع الكلمتين في أمر الزواج وهذه إشارة إلى أن الزوجين سيواجهان صعوبات الحياة معاً، هناك أيام سهلة و أيام صعبة، أيام سارّة و أيام محزنة، أيام يسيرة و أيام عسيرة.
والمودة هي اللين و البشاشة و المؤانسة و البساطة و التواضع والصفاء والرقة والألفة و إظهار الميل والرغبة و الانجذاب و التعبير عن الاشتياق وفي ذلك اكتمال السرور و الانشراح و البهجة.
أما الرحمة فهي التسامح والمغفرة و سعة الصدر و التفهّم و التنازل و العطف و الشفقة و الاحتواء و الحماية و الصبر و كظم الغيظ والسيطرة على الغضب والعطاء بلا حدود و بدون مقابل و التحمّل و التجرّد من الأنانية و الغرور.
إذن فالزواج يحتاج إلى قلوب تفيض بالمودة والرحمة، و المرأة المسلمة الصالحة هي عماد الأسرة و ركنها الركين وهي متعة الحياة الأولى في حياة الرجل بل هي خير متاع له في الحياة وهي مؤهلة بحكم تكوينها لتجسيد كل هذه المعاني الاصيلة وهي قادرة على تحريك قدرة الرجل على المودة والرحمة، فالبداية من عندها والاستجابة من عند الرجل ليبادلها مودة بمودة و رحمة برحمة. فأساس الزواج هو المودة ولكن قد يحتاج إلى العطاء بلا عوض لكي يستمر وهو الإيثار والرحمة لإنشاء حياة جديدة يقودها فيما بعد جيل جديد..
أم فاطمة – الجزاير
[1] الروم آية 21
[2] الميزان في تفسير القرآن، ج16 ص 166
[3] الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل ج 12 ص 495