رائدات الهدى rhuda.com
مقالات مشابهة
كلنا سمع بعبارة رجال التاريخ العظماء، فما هي هذه العظمة وما هو مقياسها؟؟
إنّ الشخصية الروحية للأفراد هي التي تعيّن حجم و مقدار عظمة الأفراد، و أنه لأمر بديهي القول بأن العلامات و المقاييس البدنية، أو العرقية للأفراد لا تعيّن عظمة البشر..
ثم يقول الشهيد مطهري، بأنا لو فحصنا التاريخ سوف نسمع بأشخاص و أفراد يمكن عدهم من الأبطال الذين سطروا ملاحم على صفحات التاريخ، و يشبّههم الشهيد بالقمم الجبليّة الشامخة، مقابل معاصريهم و الذين هم كالحصى الصغيرة المتناثرة أو حتى لم يكن بالإمكان رؤيتهم لشدة ظهورهم.. فالعظماء على قسمين:
- فالإسكندر و نابليون و نادرشاه، والشاه اسماعيل الصفوي، و أمثالهم يعتبرون من رجالات التاريخ و عظمائه.
- الأنبياء العظام كإبراهيم و موسى و عيسى ـ عليهم السلام ـ و محمد ـ صلوات الله عليه ـ و علي ـ عليه السلام ـ و الأولياء الصالحين الكبار هم الآخرون من رجال التاريخ البارزين و عظماء البشريّة النادرين ..
و السؤال الآن هو: هل يوجد هناك مجال للمقارنة بين عظماء المجموعة الأولى، مع عظماء المجموعة الثانية؟ والجواب بالتأكيد.. كلّا ..
فصحيح أن أولئك الأفراد من المجموعة الأولى قد جاءت عظمتهم، و ظهر بروزهم لكونهم أثبتوا أنهم ذوو همم عالية، و إرادات قوية، و أن شعاع دائرة آمالهم و طموحاتهم الواسعة، قد غطّى مساحة كبيرة، فإنه من الطبيعي أن يقف الإنسان منبهراً، و مبهوتاً، لسماعه ببطولاتهم، و تعرّفه على همة روحهم، و نشاطهم المتميز، حتى أنه ربما انحنى لعظمتهم، و دخل قلبه نوع من المحبة تجاههم، بسبب تلك الروح الفعّالة المتألقة فيهم.. إلّا أنّ عظمة المجموعة الثانية عظمة من نوع آخر، ونمط مختلف تماماً، نوع يفرض علينا منح مقام القدسية لهم، إلى درجة أن أسماءهم بدورها أيضاً تصبح أسماء مقدسة، وهو ما نراه بوضوح لدى ذكر أسماء هؤلاء العظام أمثال الأنبياء و الأئمة ـ عليهم السلام ـ ، حيث نرى هالة من القدسية الخالصة تحيط بهذه الرموز.. لماذا؟
صحيح أن المجموعة الأولى عظيمة.. إلّا أن عظمتها و تألقها من نوع العظمة والتألق الذاتي..
فطلّاب الجاه مثلاً: منهم من يكتفي بالقليل كحاكم يريد الولاية على ناحية من عشرة عوائل فقط، فسيكون هذا من أصحاب الجاه الصغار، و آخر منهم يطلب المزيد، ولا يشبع بالنزر اليسير فيسعى لكسب الولاية على منطقة متألفة من ألف وحدة اجتماعية، فهو أيضاً من طلاب الجاه لكنه أكثر طموحاً.. و آخر تراه يسعى للسيطرة على محافظة بأكملها، أو منطقة، أو إقليم من أقاليم البلاد، وصولاً إلى بلد و دوله بأكملها، و هكذا إلى أن يظهر من هو طامع و طامع ليرى السيطرة و الهيمنة لسلطانه، قد اتسعت، و طال شعاعها العالم كله، فيكون بذلك من العظام في التاريخ.
نعم إن شخصية مثل هؤلاء، شخصية عظيمة بالتأكيد، فهم شخصيات عظيمة الهمة الذاتية، فهم يطلبون توسيع طموحاتهم الذاتية لتشمل الدنيا كلها، و بالتالي يكون جلّ سعيهم متمثلاً في الواقع في ابتلاع الكل في هاضمتهم الذاتية الكبرى.
إنها فئة عظيمة لكنها أشبه ما تكون بالغدة السرطانية، التي تبدأ بالنمو غير المتوازن من داخل إحدى الخلايا، و هكذا تستمر في نمو مطرد، إلى أن تصل إلى نهايتها الطبيعية، التي هي فناء البدن و هلاكه..
في حين أن الفئة الثانية تكبر شخصيتها و تنمو كما تنمو الأم، و تكبر شخصيتها و يكبر معها أبناؤها، و تنمو شخصيتهم المستقلة، و تلقى الإحترام و التقدير من قبل الأم، بل والرعاية الشاملة لتلك الشخصية الوليدة، تماماً كرعاية الأم لنفسها بل أكثر، عكس الفئة الأولى التي تتصرف كالغدة السرطانية مع الآخرين.. فالفئة الثانية “فئة الأولياء” أشبه ما تكون بالروح القوية التي تسري في جسد المجتمع، فتنفخ الروح في أبدان الجميع و تنشطهم، فتصبح مصداق الحديث الشريف: “من أصبح ولم يهتم بأمور المسلمين فليس بمسلم”..
إنّ الشخصية الإنسانية والروح البشرية هي التي تنمو و تكبر في تلك الفئة، وليس الروح الحيوانية فيها.. إنه علو النفس، و سعة الإيمان والوجدان في الأولياء، والصالحين و الأنبياء ما يميّز بين نوعي العظمة.. صحيح لماذا ترانا اليوم ندّعي بأننا من فدائيي الحسين ـ عليه السلام ـ؟
إنّ ما قاله النبي محمد ـ صلوات الله عليه ـ عن الحسين ـ عليه السلام ـ “حسين مني و أنا من حسين” نحسّ به نحن كذلك أيضاً في أنفسنا، فحسين منّا و نحن من حسين، ذلك إننا لا نرى في الحسين شخصاً قام من أجل تحقيق مصالحه الذاتية، بل نرى فيه الرمز والروح الكليّة، التي قامت و نهضت و فكّرت بنا حتى قبل أن نولد.
وعليه فإنّه منا و نحن منه، وهو من البشرية، والبشرية منه..
إنه الرمز الذي اتحد مع روحنا، و امتزج مصيره بمصيرنا، فهو منا ونحن منه.. إن التوسع الإنساني للشخصية يتمثل أيضاً في قول أمير المؤمنين ـ عليه السلام ـ متمثلاً:
وحسبك داءً، أن تبيت ببطنةٍ و حولك أكبادُ، تحن إلى القدِّ
وعلو النفس و سعة الروح، و تألق الشخصية يتمثل أيضاً في قول الحسين ـ عليه السلام ـ : “إنّي لم أخرج أشراً ولا بطراً.. ” أو قوله ـ عليه السلام ـ : “من رأى سلطاناً جائراً، مستحلاً لحرم الله..” و هذا هو معنى العظمة في مفهومها الراقي .. فأبرز مصداق للرجل العظيم هو الإمام الحسين ـ عليه السلام ـ …
إيمان الموسوي ـ العراق
