منذ الساعة الرابعة صباحاً بعد أن انتبهت من نومي وأنا في حالة نشاط عجيب، أحسست بأنس العبادة ولأول مرة بهذا المذاق اللذيذ، ثم تعبأتُ لصلاة النافلة، وبعدها أسرعت للذهاب لحرم كريمة أهل البيت السيدة فاطمة المعصومة ـ عليها السلام ـ حيث ملتقى العاشقين والعارفين بالله. ولاُدرك صلاة الفجر جماعةً فالصلاة في حرم السيدة لها مذاق يختلف عن غيره من الأمكنة. مشيت في الشوارع المؤدية إلى الحرم وأراها هي الأُخرى تعجّ بالنشاط غير المعهود، فهي ملئى بالمؤمنين والمؤمنات وكأني رأيتهم من قبل، إنها ليست الصدفة, إنها مواعيد اجتمعت في نوايا المؤمنين المنتظرين للقائد العزيز، كانت تخطر في ذهني أسئلة عديدة وأنا اتجه إلى الحرم …. من مثلي بهكذا سعادة؟ من مثلي بهذا الشوق للقائد المفدّى ؟ ولكني أدركت بأن الكل مثلي، يفكر بما أفكر ويشعر بما أشعر. ذلك اللقاء الذي طال انتظاره منذ أكثر من ستة عشر عاماً حيث بداية تقليدي للقائد المفدّى، إنه الأريج الذي ما انفك يأتيني طيفه في عالم الرؤيا ويقف بجانبي في أحلك الظروف التي مررت بها في عراق الجهاد والتضحية، وأنا ابكي بين يديه. عشرات الرؤى أراها والقائد المفدّى يشبعني بنفحاته النورانية الإلهية …. اليوم سوف أراه، اليوم سوف يخترق نوره قلبي، اليوم ستعلن روحي أنها زُفت الى عالم القدس، وبينما أنا أسرح بأفكاري ولا أعلم كيف وصلت إلى حرم كريمة أهل البيت (عليها السلام) وإذا بصوت المؤذن يشقُ صمت المدينة بصوته العذب: الله أكبر، فأسرعت للدخول وسلمت على أميرة قم وقلت لها: سيدتي، اليوم أريد أن أرى السيد القائد!! فأنا لا أملك (بطاقة الملاقاة) واستحلفتها بمن تعبد أن تدعو لي برؤية السيد القائد. ثم شرعت بالصلاة وبعد الفراغ هرعت بطابور طويل ولا اعلم متى سيصل دوري للدخول! فأنشغلت بتعقيبات الصباح وخلاصة مطلبي من الله عز وجل أن يوفقني للدخول، كيف أدخل ؟ لا توجد عندي ( بطاقة الملاقاة) وبعد انتظار طويل ومضني تحرك الطابور المتلهف وسط بهجة وسعادة إخوتي المؤمنين، فوصلت النوبّة لي فقال الحارس: أين بطاقة الملاقاة ؟ قلت: لا أملك هذه البطاقة اسمح لي بالدخول أرجوك، فقال: لا يجوز اذهب إلى المسؤول الفلاني، فذهبت إليه فقال: شيخنا لا يجوز الدخول بدون (بطاقة الملاقاة) فسألني عن اسم المدرسة الدينية التي أدرس بها وطلب مني أن يأتي مسؤول هذه المدرسة على الأقل …. فقلت وبدون تردد: مسؤولي هو سيدي صاحب الزمان (عج) ومخدومي هو إمامي الحسين (عليه السلام) فتأمل في وجهي ثم قلت له: إني ومنذ ستة عشر عاماً أقلد السيد القائد الأمام الخامنئي، ومنذ الرابعة صباحاً متهيء للقاء السيد، ثم أعطاني (بطاقة الملاقاة) فدخلت الحرم وجلست، يا إلهي ما أطوله من وقت وما أشقه من انتظار ….. هل عليّ الانتظار أربع ساعات أخرى ؟ إنها أطول ساعات عمري، إنها ساعات قاسية , انهكتني, ولكن ما الحيلة، إنه ابن الزهراء، إطلالة الأمام المهدي (عج) الوقت يمضي ببطيء وعيناي لا تفارق الساعة، لأن السيد سيصل الساعة العاشرة … سألت نفسي هل سأرى السيد القائد حقيقة ؟ هل ستذهب الأحلام الجميلة التي كنت أرى السيد القائد بها وأشاهد السيد القائد حقيقة وعياناً … وصلت اللحظات الحاسمة … وإذا بأنوار الجلال والجمال تسطع، وإذا بهيبة الإمامة تطلع .. لم أعلم ما حصل لي في تلك اللحظة، أحسستها اللحظات الأخيرة من عمري لقد أخترقت الأنوار الإلهية ظلمات نفسي وأشرقت في قلبي، وشدّت أزري فأنطلقت روحي تنطق بلسان أخرسه ذلك الجمال المحمدي بالصلاة على محمد وآل محمد … وهكذا انفلقت أنوار قلبي المظلمة وهامت تلك النفس في عالم القدس وأصبحت لا آرى إلّا وجهه ولا أسمع إلّا صوته ولا أتخيل إلّا شخصه. ومضت الأيام وكأني ولدت من جديد, لقد رجعت إلى فطرتي، منتظراً ذلك المنظر المهيب يوم تُسلّم الراية بكف القائد المعظم إلى بقية الله في الأرضين إمامنا المهدي (عج) إنه الصبح … أليس الصبح بقريب ؟
الشيخ فراس الحلفي ـ العراق