إنّ الخوف أيّاً كان شكله، وحيثما كان مظهره فإنه يعتري الناس حتى القوي منهم في جسده وفي جسمه لأن مرد ذلك ليس للقوة الجسدية أو الجسمية بل إلى عدم الشعور بهذه القوة، و واضح ذلك من إستخدام الإنسان للحيوان الأكثر منه قوة وأشد بأساً فالإنسان يعمل مثلاُ على إستخدام الفيل الذي بإمكانه سحق الإنسان ولكن الإنسان يعمل على ترويضه و على إدخال الخوف إلى قلبه وجعله يشعر بأن الإنسان أقوى منه، وبذلك يرضخ و يستجيب.. ومن هذه النقطة انطلقت فكرة الحرب الباردة التي تعمل على إيهام الدول القوية و إضعاف روحها المعنوية بواسطة الدعاية والنشرات والأفكار المقلقة المثيرة..
للخوف تأثير عظيم على الإنسان، إذ يشلّ التفكير و يسيطر الشك و تطغى على العقل أمراض التردد والنسيان، و تضمحل الإرادة والحكم على الأمور، والخوف يؤثر تأثيراً سيئ العاقبة على المراكز العصبية.. و تؤكد التجارب، و تحقق الروايات أن آلافاً من الناس ماتوا من الطاعون دون أن يصابوا به ودون أن يكشف عن جرثومة واحدة من جراثيم الطاعون في أجسادهم وفي هذا الصدد قصة تبرهن على ذلك بأسلوب الطرافة (مرّ الطاعون برجل فقال له الرجل إلى أين تريد، فقال: إلى تلك. فقال وماذا تبغي؟ قال: لأقضي على خمسمائة شخص كتب عليهم الموت بالطاعون.. ولما عاد الطاعون قال له الرجل: لقد خدعتني إنك قلت لي بأنك ستقضي على خمسمائة شخص فقط، وها أنت قد قضيت على خمسة آلاف .. فقال الطاعون: الحقيقة إنني لم أقض إلّا على خمسمائة شخص ولكن الخوف هو الذي قضى على الباقي).. و من هذه القصة الطريقة نستدل على أن الخوف يقضي على أضعاف ما يقتله المسبب.. وفي الحروب ترجمة ذلك المظهر.. ففي ليلة وضحاها يشيب الشعر و بين ساعة و أخرى ينجم الشلل والعاهات..
فهناك أناس يصبحون في مرض لخوفهم من المرض، و يقعون بالشقاء لخوفهم من الشقاء. وهناك من يخاف من منافس أو من يخاف من الظهور بين الناس ظنّاً منه بأنه ليس بالمظهر اللائق.. وهذا النوع من الخوف ناتج عن غريزة في الداخل وهي عدم الثقة بالنفس..
كيف تنشأ بذور الخوف عند الإنسان؟؟
الخوف كما قلنا حالة نفسية، تتأثر بجو الوسط الذي يعيش فيه الإنسان من عادات وتقاليد وثقافة وغيرها.. فمثلاُ في حياتنا الواقعية، نستطيع أن نلقنه دروساً تعتمد على الحقيقة و تتنافى و التهاويل والأوهام، و نستطيع أن نميت في قلبه بذرة الشجاعة والإقدام.. و من المؤسف أن تربية الطفل في هذه الأيام تقوم على زرع المخاوف و الأوهام في قلبه منذ نعومة أظفاره، فقد نرى أن أول ما يقص على الطفل منذ ربيع الإدراك أقاصيص العفاريت و الجن و بذلك تُزرع بذور الخوف في نفسه.. ومن ثم تنتشر وتتشعب هذه النبته، عندما يصبح الطفل في المدرسة و تجذبه الرغبة لقراءة القصص فلا يجد إلّا قصص الأبطال الذين يحرقون المدن مثلاُ أو يقتلون الأطفال و يسرقونهم وغيرها من القصص المروعة التي تسقي بذور الخوف فتكبر مع كبره و تنمو مناظرة لنموه، فيصبح صورة لرجل جبان لا يثق بنفسه ولا يجرؤ على مقارعة الأحداث وخوض معتركات الحياة..
زينب شرارة – لبنان