شبهات وردود
الشبهة:
إنّ الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر إذا كان فيه ضرر على الآمر في نفسه أو عرضه أو ماله فلا يجب، وقد يحرم ذلك في بعض الظروف.. فكيف ثار الإمام الحسين ـ عليه السلام ـ ضد الظلم رافعاً شعار الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وهو يعلم بمقتله، فلو استعمل التقية وبايع يزيد لاتقى شر بني أمية وحافظ على دمه وعرضه و نسائه وعياله؟
الجواب:
إنّ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إن كانا في الأمور التي يهتم بها الشارع المقدس كإحياء آثار الإسلام و شعائره و أمثال ذلك فلابد من ملاحظة الأهمية، فلا يكون الضرر النفسي أو الحرج موجباً لرفع التكليف، فلابد من بذل النفس فضلاً عن وقوع ضرر أو حرج دونها..
ولهذا نهض الإمام الحسين ـ عليه السلام ـ بثورته لإعادة المجتمع إلى الصراط المستقيم و النهج القويم و وضع حداً للظلم والطغيان وسيلته في ذلك (الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر)، فبيعته ـ عليه السلام ـ لمثل يزيد غير جائزة بظاهر الشريعة. ويرى إمام الأزهر السابق محمد عبده أنه: “إذا وجد في الدنيا حكومة عادلة تقيم الشرع، وحكومة جائرة تعطله، وجب على كل مسلم نصر الأولى”.
وكثيرون هم الذين قالوا بأن الإمام ـ عليه السلام ـ كان يعلم بمقتله ومقتل أولاده و أصحابه، فلماذا اصطحب معه النساء و الأطفال حتى جرى عليهم ما جرى؟!
والجواب على ذلك: إنّ الإمام الحسين ـ عليه السلام ـ خرج لمجابهة أهل الظلم و الجور و الطغيان وهو الإمام المعصوم الذي لا يزل ولا يخطأ، فكل عمل يقوم به فهو بأمر من الله سبحانه وتعالى، و الحسين ـ عليه السلام ـ أعرف بهذا الأمر من باقي الناس، فكيف بهذا الإصلاح، حيث قال ـ عليه السلام ـ : “… لم أخرج أشراً ولا بطراً ولا مفسداً ولا ظالماً وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ ” فإن انحراف سلطة معاوية عن مسار الإسلام الصحيح وتحريف مبادئه وإيجاد البدع بغية القضاء عليه و إفساد الأخلاق و إشاعة اللهو و الفسق و الفجور و أخذ البيعة بالإكراه ليزيد، كل ذلك يستدعي للقيام بتلك النهضة لأجل تصحيح ذلك المسار، فإذا كان الإمام الحسين ـ عليه السلام ـ مقتولاً لا محالة فلتكن ثمرة قتله و استشهاده سقوط دولة الباطل و خلاص المسلمين منها، ولا طريق للخلاص إلّا بتفجير الثورة على الأمويين.
أمّا ذبح الأطفال وسبي النساء و ترحالهم من بلد إلى بلد فهو من أهم الوسائل لتفجير الثورة، فرسالته ـ عليه السلام ـ قدّر لها أن تكتمل بمواقف الحرائر البطولية و صبرهن في ميادين الجهاد، فبعد استشهاد الإمام الحسين ـ عليه السلام ـ يبدأ الدور الإعلامي للمرأة و تتضح عندها فلسفة الإمام ـ عليه السلام ـ في حمل النساء معه.
فإن العقيلة زينب ـ سلام الله عليها ـ عالمة آل محمد ـ صلوات الله عليهم أجمعين ـ ودورها الإعلامي سيظل يدوي للأبد، فقد أحدثت تغييراً في المجتمع الكوفي آنذاك لتفيقهم من سباتهم و لتعيدهم إلى جادّة الصواب، فكان للحوراء زينب ـ عليها السلام ـ نظرة استشراقية للمستقبل، حيث كانت على يقين بأن النصر و العاقبة سوف تكون لهذه النهضة، فكان خطابها يتمتع بالقوة والصلابة والاطمئنان إلى النتائج.
و لهذا كان الإمام الحسين ـ عليه السلام ـ يرى دور المرأة في طرح المظلومية أكثر تأثيراً و إقناعاً في المجتمع الذي يعتبر المرأة مخلوقاً لا حول له ولا قوة، فلذا يكون التأثير أقوى و أشد. ولهذا كله علا صوت الحق و خمد صوت الباطل كما جاء في سورة الإسراء: “وقل جاء الحق و زهق الباطل إن الباطل كان زهوقاً” صدق الله العلي العظيم..
المصادر:
- القرآن الكريم
- تحرير الوسيلة ـ الإمام الخميني
- شرح إحقاق الحق ـ المرعشي النجفي
- أبعاد النهضة الحسينية ـ عباس الذهبي