في يوم جميل حافل بالأمسيات الشعرية انتمى إلى أسرة الشعر، مولود جديد سمي (الشعر الحر) الذي صار ولازال أنسا للكثير من الأدباء والشعراء ومحبي الشعر يتغنون به ويطربون لسماعه , و كان ذلك اليوم 23/آب سنة 1923م حيث ولدت مبدعة هذا الشعر (نازك صادق الملائكة )في عاصمة الأدب بغداد الحبيبة في أسرة مولعة بالأدب بجميع أقسامه بدءاً من والدها صادق الملائكة الذي ألّف أرجوزة مكونة من 3000 آلاف بيت وصف فيها رحلته إلى إيران وكتابه المؤلف من 20 جزء (دائرة معارف الناس ) وأمها : (سلمى عبد الرزاق الملائكة) التي كانت تنشر شعرها في الصحف والمجلات باسم ( أم نزار الملائكة ) والتي كانت تعرض عليها قصائدها فتوجه إليها النقد .
وكان لأبوها الأثر الكبير في حياتها فكان يدرّسها النحو حتى اختارت موضوعاً نحوياً لبحث تخرجها عندما تخرجت من ( دار المعلمين ) بعنوان ( مدارس النحو ) بإشراف الأستاذ العلامة ( مصطفى جواد) عام 1944م .
فكيف لا تصبح أديبة خلّاقة وقد نشأت وترعرعت في مثل هذا البيت الذي كان حافلاً بالأمسيات الشعرية يومياً , فقد تربت على حب الأدب والشعر وقرأت لكُتّاب عرب وأجانب وأحبت شعرهم منهم : علي محمود طه ,و إبراهيم ناجي , ومحمود حسن إسماعيل , وبدوي الجبل , وأمجد الطرابلسي , وبشارة الخور ي , وعمر ابو ريشة . وترجمت روايات كثيرة إلى العربية منها ( الزمن والحب ) للكاتب المعروف ( شكسبير ) وأعجبت بالمطولات الإنكليزية فتأثرت بها وأحبت أن يكون لنا في الوطن العربي مثله فكتبت مطولتها المعروفة ( مأساة الحياة وأغنية الإنسان ).
كتبت أول قصيدة وهي في الثاني والعشرين من العمر.
وفي يوم 27/11/1947م كتبت أول قصيدة في قالب جديد أسمته ( الشعر الحر ) بعنوان ( الكوليرا ) وأرسلتها إلى بيروت فنشرت في مجلة (عروبة) وقد علّقت عليها الشاعرة في نفس العدد .و نظمتها وهي تصّور فيها مشاعرها تجاه مصر خلال وباء الكوليرا الذي أصابها وهذه مقاطع من القصيدة :
طلع الفجر
أصغ إلى وقع خطى الماشين
في صمت الفجر . اصغ . انظر ركب الباكين
عشرة اموات . عشرونا
لاتحصى . اصغ للباكينا
اسمع صوت الطفل المسكين
موتى . موتى . ضاع العدد
موتى موتى . لم يبق غد
في كل مكان جسد يندبه محزون
لا لحظه إخلاد لاصمت
هذا ما فعلت كف الموت
الموت الموت الموت
نشكو البشرية نشكو مايرتكب الموت
لم يكن يجرأ أحد من الشعراء في زمانها أن ينشر قصيدةً في هكذا قالب وهي الوحيدة التي أقدمت على مثل هذا العمل و وقفت بوجه كل النقّاد وظلت تكتب وتكتب ألى أن نشرت أول ديوان لها بعنوان ( شظايا ورماد) في عام 1949م ، ومن بعدها بدأت تظهر قصائد لشعراء يافعين .
فقد عانت ماعانت لأحياء هذا المولود الجديد ، حتى أنها هاجرت إلى بيروت ثم إلى مصر إلى أن توفيت ودفنت هناك ، وخلفت من بعدها آثارها القيمة .
فإن الأدباء تموت أجسادهم ولا يموت فكرهم ، فقد كانت حسب قولها ( تفلسف كل شي وتغوص في حيثياته ) حتى إنها درست الفلسفة وكانت تعتبر العزلة فضيلة الشاعر فاعتزلت الناس وغاصت في الأدب واتخذت من القصص و الروايات والكتب الأدبية والشعر أصدقاء لها حتى أبدعت في هذا المجال ، وتخرّجت من معهد الفنون الجميلة عام 1949م .
إلى أن أرسلتها مديرية البعثات العراقية إلى أمريكا لدراسة الأدب المقارن في جامعة وسكنس عام 1954 م ، وحصلت على رسالة ماجستير عام 1959 م ، وفي عام 1999م أقامت دار الأوبرا المصرية في يوم 26 مايو احتفالا لتكريمها ، وحضر عوضا عنها زوجها الدكتور عبد الهادي محبوبة ، ولها ابن واحد اسمه البراق إلى أن انطفت شعلتها 20 حزيران عام 2007 م في مصر القاهرة .
وهذه مقاطع من قصيدة لها بعنوان الشهيد :
في دجى الليل العميق
رأسه النشوان ألقوه هشيما
وأراقوا دمه الصافي الكريما
فوق أحجار الطريق
وعقابيل الجريمة
حمّلوا أعبائها ظهر القدر
ثم ألقوه طعاما للحفر
ومتاعا وغنيمة
وصباحا دفنوه
وأهالوا حقدهم فوق ثراه
عارهم ظنوه لن يبقى شذاه
ثم ساروا ونسوه
والليالي في سراها
شهدت ماكان من جهد ثقيل
كلما غطوا على ذكرى قتيل
يتحداهم شذاها
يالحمقى أغبياء
منحوه حين أردوه شهيدا
ألف عمر وشبابا وخلود ا
وجمالا ونقاء
إنه عاد نبيا
وهو قد أصبح نارا تتحرق
في أمانينا ونارا يتشوق
وغدا يبعث حيا
آلاء الجعفري – العراق