لم تعد طيور الملاك تحلق في الأجواء ولا حتى تجرأ على الاقتراب لخوف في نفسها نشأ..
فالجدار بعلوه يعانق السماء لحقده وقساوته..
والبحر بقيوده يلفّ قطرة الماء ليخنق الحياة في أعماقه..
لازلت أقف أمام البحر, لا لأمل فيه , ولا لنجاة إليه ولا حتى الحلم أستمده منه , فالبخل والرحيل هي صفاته, وإذا ما أمعنت النظر لوجدت سلسلة القيود والحصار وراء كل موجة ترتفع لترتطم بصخور القوة وتصفعني لإيقاظي.. على غروب شمس الحرية والبوح والإصرار.. نعم إصرارٌ على الرحيل المؤدي للنسيان والهجرة نحو البعيد عبر أنفاق الجنوب..
فالغرب بحرٌ محاصر, وللشرق جدارٌ إسمنتي شاهق, وراؤه يكمن عدوٌ مدججٌ بالسلاح, والعيون منتشرة على طول الخطّ, تنسف كل ما قد يتحرك ولو صدفة..
أرأيت الشرق يمتد نحو الشمال, هذا ما حصل هنا وللظروف نفسها..
حاصروني.. في بقعة صغيرة ضيقة تجعل حتى الهواء يفر منها..
حاصروني.. وإذا ما أردت مدّ جناحي قطع..
حاصروني.. لأحلم أن تشرق الشمس جنوباً, حيث ظننت أن ظروف اللقاء أسهل وأسرع..
حاصروني.. لتكن خيبة الأمل أسرع مني, لأجد جداراً آخر ولو اختلف في تكوينه هذه المرة, فالفولاذ صنفه والصلابة صفته..
حاصروني.. لأظن أن مرسال الأنفاق السرية نعمة وفرحة ورغبة.. لأبدأ الحفر بقشةٍ كي لا أثير المتاعب والمشاكل والشكوك.. ومخاطر القصف تحلق في أجواء الحصار ومتى ما كُشفت نُسفت بدون أي رحمة أو إنظار..
أنفاقٌ يمر بها الهواء ملوث حتى الإختناق..
أنفاق تعبر فيها القامة منحنية حتى الاعتلال..
أنفاق تحمل الخلاص الممتزج بالحرمان حتى الضياع..
أنفاق ما إن أحس أحدهم بها حوّلت إلى قبور هي في مكونها أرحم..
لنقطة البداية أعود.. وجودي وراء الجدار أو داخل الأنفاق أو في انتفاضة على أعرافٍ جُعلت لأمم متحدة , لم أكن أنا غزة في إطار أفكارهم, كذا لم أكن عندما كنت في كنف أمي فلسطين.. هي أعراف لأمم النفاق والدجل حتى إقالة الضمير واستدعاء اللعبة الطائفية والعرقية الخبيثة..
فقل لي اليوم, أي طريق عليّ السلوك وكلها تصب في قبري..
أأموت وراء الجدار..
أو أموت داخل الأنفاق..
أم أموت في انتفاضة الأمم..
لأجد علامة الاستفهام ابتداءً متضمنة في طياتها أجوبة لم تعد تُقال(1) بل تقال(2).. ومع مرارتها فهي التي تجعلني صامدة وراء الموت كيف ما كان..
مدی زیعور- لبنان
1.من القول
2. من الإقالة