دخلت غرفتها مسرعة، متلفعة بالغيظ والألم، بسبب ما تلاقيه من مصاعب ومحن في طريق ذات الشوكة الذي سلكته على الرغم من حداثة سنها إذ لم تكن قد أكملت عامها الخامس عشر بعد و اختارت الهجرة ونبذ الطغيان المتسلط على بلدها، ففارقت أهلها و تغربت وتخلت عن أحلامها في مواصلة الدراسة الأكاديمية و الحصول على الشهادات العليا، و و… وغيرها من الأحلام التي لم يكن من الهين تحققها، لأنها كانت مشروطة بشروط تأنف بطلتنا الصغيرة أن تخضع لها خاصة و أن النظام الحاكم في بلدها يفرض قيود صارمة على كل من يريد مواصلة التعليم، أبرزها وجوب الانتماء إلى الحزب الظالم و السير على دربه و تأييد كل جرائمه..
… ماكانت بطلتنا لتخضع لهذه الشروط وإن كان الثمن هو ضياع مستقبلها وتلاشي أحلامها وفراق أهلها والابتعاد عن وطنها وأرضها.. لكن صغر سنها و طراوة عودها لم يكونا ليسعفاها فتحتمل آلام الغربة و أوجاع الهجرة و حسرات الفراق وعثرات طريق ذات الشوكة.
رمت بنفسها على الأرض وهي تبكي بحرقة وألم فأخذت تجهش بالبكاء حتى كادت أن تذوب مقلتاها. رفعت رأسها و أخذت تقلب ناظريها في أرجاء الغرفة، فوجدت نفسها أمام صورة لعزيز تكنُّ له من الحب والولاء إلى الدرجة التي تفديه بنفسها، رمقت صورته بعينيها المغرورقتين بالدموع، نهضت و توجهت إلى الصورة، حملتها وقبلتها، و من ثم أخذت تخاطبه وتعاتبه قائلة:
سيدي، أهكذا يكون مصير من هجر وطنه لأجل وطنك؟
ألم يكفني ألم الغربة و أوجاع الفراق فتواجهني كل هذه المصاعب والمحن؟
سيدي، أنا ضيفتك وفي بلدك فكيف تسلمني لكل هذه البلايا؟
سيدي، يا ابن الكرام أهكذا تستقبل ضيوفك؟
فما لبثت تكلمه بهذا الكلام حتى نامت وهي على هذه الهيئة وذلك الحال، فحلقت روحها في عالم من نور ورأت نفسها وكأنها ترقد على سرير في صالة واسعة رحبة، إلى الجهة اليمنى من سريرها يبعد عدة خطوات سرير آخر يرقد عليه شيخ جليل يرتدي اللباس الأبيض تعلوه حلّة من البهاء وتجلله هالات من النور.
قام الشيخ من على سريره و أخذ يقترب منها شيئاً فشيئاً، دققت النظر إليه إذا به صاحب نفس تلك الصورة الذي كانت تكلمه.. إنه الإمام روح الله الموسوي الخميني ـ قدس سره ـ أقبل نحوها مبتسماً، رمقها بنظرات ملؤها العطف والرحمة، جلس إلى جانبها ورفع يده فوضعها على رأسها، أخذ يمسح بيده على رأسها بلطف قائلاً لها: بنيّتي … لماذا أنتِ مهمومة إلى هذا الحد دعي عنك الدنيا وهمومها فالدنيا لا تستحق، لا تهتمي لأمر الدنيا.. و أخذ يشير بيده كأنه يطرد شيئاً ويبعده بيده عنها .. وهو يكرر عبارته.. دعي الدنيا، أتركيها، فالدنيا لا تستحق كل هذا منك.
فانتبهت من نومها وإذا بها ماتزال تحتضن الصورة، وإذا بوقع يد الإمام الخميني لا يزال أثره وهو يمسح على رأسها كأنه جناح ملاك كريم، فطرد كل هم وألم من وجدانها وأبعد الغيظ من قلبها، وأذهب كل فكرة يأس وجزع من رأسها… عندها أدركت أن ما تمر به من مصاعب و محن إنما هي أمور دنيوية زائلة و أن أمامها رسالة أكبر، وعاهدت صاحب الصورة أي الإمام أنها ستظل ثابتة في مسيرها وأنها ستحث الخطى على هذا الطريق الصعب الذي سلكته بملء إرادتها “طريق ذات الشوكة” ولن تثنيها المصائب ولن تعيق مسيرها الأشواك ولن تستوقفها الصعاب..
أم محمد العامري _ العراق